السلطان الفاتح محمد خان الثاني 855-886هـ
جلس هذا السلطان الشهير والبطل الكبير وهو السابع من سلالة ملوك آل عثمان على سرير السلطنة بعد وفاة أبيه وكان سنة إذ ذاك 22 سنة وعقب جلوسه قام عليه كثير من أمراء بلاد الأناضول الذين كان فتح العثمانيون بلادهم بدعوى استرداد تلك البلاد فتمكن في آخر الأمر من إدخالهم جميعاً تحت لواء الطاعة ولما استلم زمام السلطنة كانت جميع بلاد آسيا الصغرى خاضعة للسلطنة العثمانية ما عدا بلاد ابن كرمان ومدينة سينوب ودولة طرابزون.
أما بأوروبا فكانت دولة القسطنطينية لا تزال على استقلالها وبلاد بيلوبونيز (موره) منقسمة بين عدّة أمراء من اليونان واللاطينيين وبلاد البانيا خاضعة لاسكندر بك وبوسنة مستقلة تمام الاستقلال وبلاد الصرب تدفع جزية للعثمانيين وما عدا ذلك من الجهات فكان في قبضة العثمانيين.
فتح القسطنطينية :
كان ملوك القسطنطينية يجتهدون على الدوام في بث الدسائس ونفخ روح العصيان في جسم مملكة العثمانيين منذ عظم أمرهم وضخم ملكهم ليأمنوا على ما بأيديهم من بقايا الدولة اليونانية العظيمة وكان الإمبراطور قسطنطين من يوم تبوئه عرش المملكة وهو عامل على طريقة أسلافه من إحداث الثورات وتنشيط عوامل الاضطرابات الداخلية بالمملكة العثمانية فانتهز السلطان المشار إليه ذلك فرصة لاتمام مقصوده ونيل مرغوبه من فتح القسطنطينية سيما وأن أحوال تلك المدينة الداخلية كانت مختلة بسبب التعصبات المذهبية والقلاقل الدينية.
وبعد أن صمم السلطان على إنقاذ غرضه واحتاط لأمره وأعد جيوشه خرج من أدرنة عاصمة بلاده بعد أن وطد الأمن في أنحاء المملكة وأدخل تحت لواء طاعته من ثار عليه من الأمراء المار ذكرهم على رأس جيش كثيف يبلغ مائتي ألف جندي ومعه أسطول مؤلف من ثلاثمائة غراب حربي وكثير من سفن النقل وكان أمر بتجهيزها بمدينة كليبولي قبل خروجه وكانت هذه الأساطيل تحت قيادة بلطه أوغلى سليمان بك المعتبر لدى الملاحين أوّل قبودان للأساطيل العثمانية ومعه أيضاً كثير من آلات الحصار وأدوات الحرب والنزال وحاصر مدينة القسطنطينية براً وبحراً.
ولما شرع السلطان في تهيئة الأسباب لفتح القسطنطينية وأخذ في بناء الحصون على ساحل البحر الأسود أرسل إمبراطور القسطنطينية قسطنطين باليولوغ يتضرع إليه ويسأله العدول عن مشروعه هذا وفي مقابلة ذلك يتعهد بدفع الجزية التي كان يدفعها سلفه فلم يقبل السلطان ذلك من رسله ونقل بعض المؤرخين أنه أرسل للسلطان ثانية رسولاً يقول له أن بناء هذه الحصون والقلاع ما وراءها إلا القتال وتجريد جيوش الشر والحرب فإن لم تحملك المواثيق على عقد الصلح بيننا فذاك إليك وقد فوضت أمري إلى الله تعالى فإن هداك وعطف قلبك كان ذلك غاية المراد وإن كان قدر لك بفتح القسطنطينية فلا مرد لقضائه ولا مانع لحكمه وإلا فلا أزال أدافع عنها إلى آخر رمق من حياتي.
وقد بذل هذا السلطان في أمر حصار القسطنطينية من السعي والإقدام ما جعله يعد من أعظم الفاتحين ولم يترك أية وسيلة ممكنة لنجاح مرغوبه ونيل مطلوبه فصنع من خوارق العادات ما لم يسمع بمثله.
منها أنه سبك مدفعاً جسيماً من البرونز قطره اثنا عشر شبراً يقذف كرة من الحجر يبلغ وزنها اثنى عشر قنطار لمسافة ميل وكان خدامه يبلغون سبعمائة شخص ويحتاج حشوه لساعة من الزمان ولما أرادوا نقله من مدينة أدرنة حيث صبوه لوضعه على حصار القسطنطينية خصصوا له خمسمائة زوج من الثيران القوية وثلاثة آلاف جندي.
ومنها وهو أغربها تسيير السفن الحربية على اليبس مسافة فرسخ من عند المكان المسمى الآن طولمة باقجه إلى المكان المدعو قاسم باشا وكيفية ذلك أنه أمر بناء على إشارة المهندسين بتغطية الأرض التي يراد سحب السفن عليها بألواح الصنوبر المدهون بالشحم حتى صارت كالمزلقان ثم سحبوها عليها وكانت عبارة عن ثمانين غراباً وسبعين سفينة خفيفة بقوة الأيدي والآلات المستعملة إذ ذاك لأنه رأى تعذر إدخال السفن إلى مينا المدينة لأنها كانت مقفلة بأضخم السلاسل الحديدية ومحصنة بأقوى الآلات الدفاعية وأجودها فتمت جميع هذه الأعمال في ليلة واحدة فقط وعند الصباح اندهش المحصورون تمام الاندهاش حينما شاهدوا أسطولاً حربياً تام المعدات انحدر من الشاطئ إلى ميناهم ثم أنشأ العثمانيون في نفس ذلك اليوم جسراً عظيماً من السفن المذكورة ونصبوا عليه إحدى بطارياتهم الأربعة عشر كل ذلك على مرأى من المحصورين.
ونقل هامير المؤرخ أن السفن أثناء سحبها كانت ناشرة شراعاتها وربابينها على مقدّمتها وكانت الأبواق تضرب والطبول تعزف ولما طلع الفجر شاهد المحصورون أزيد من سبعين سفينة حربية راسية بميناهم .
ولما علم الإمبراطور ضعف عساكره أمام عسكر العثمانيين المنتظمة المدربة على القتال العارفة بأساليبه أرسل يستغيث بأوروبا النصرانية فأعارته أُذناً صماء وأرسل البابا إليه رسولاً يحرضه على مداومة القتال وشد العزيمة ويعده بأنه سينادي بالحرب المقدسة بين أمم النصارى ومع ذلك فإنه لم يكن بأوروبا إذ ذاك من ملوك النصارى من له قدرة على مساعدة القسطنطينية ومقاومة جيوش العثمانيين القوية غير أميرين وهما هونياد أمير تراسل فانيا إلا أنه لم يكن في مقدرته غير حفظ نفسه والآخر هو اسكندر بك الشهير الذي كان يهتم في حفظ مركزه بجبال بلاد ايبير كما كان يفعل الدون بيلاج بجبال استورى حين إغارة المسلمين على بلاد إسبانيا ولما كان لمدينة جنوة منافع تجارية ومواصلات مستمرة مع القسطنطينية ولها عدة مخازن تجارية بجهة غلطة أرسلت إلى الإمبراطور دوننمه مؤلفة من خمس سفن حربية تحت إمرة رجل شجاع يدعى جوستنياني ومعه ستة آلاف جندي فتمكن هذا القائد بمهارته من إنزال جيشه إلى البر على مرأى من العثمانيين وعند ذلك انتعشت قلوب المحصورين وقويت نفوسهم واجتهد ذلك القائد الجنويزي مراراً في إحراق السفن العثمانية فلم ينجح أصلاً لتيقظ جنودها حتى إنه أتى ذات ليلة تحت دجى الظلام لهذا القصد فوجد جند العثمانيين متيقظاً فلمحوه ولما همَّ بالرجوع أطلقوا عليه نيراناً قوية فأغرقوا سفينته وكان بها أزيد من مائتي شاب من متطوّعة الطليانيين ومن أولاد أشرافهم ولم ينج ذلك القائد بنفسه إلا بعد جهد جهيد وعناء شديد.
ولما تيقن العثمانيون من نجاح مشروعهم وأنهم سيستولون على المدينة لا محالة أرسل السلطان قبل الهجوم العام بيوم واحد رسولاً إلى الإمبراطور يخبره بأنه إن سلم المدينة من غير قتال فإن السلطان يمنح جميع الرعايا الحرية التامّة ولا يتعرض لهم في شيء أصلاً ويهب الإمبراطور بلاد مورة في مقابلة ذلك فلم يقبل من الرسول قولاً وردّه بعد أن وبخّه ومما قال له: إن السلاطين الذين أنوا قبل محمد هذا سعوا في افتتاح القسطنطينية فلم يقدروا مع ما بذلوه من القوّة والسعي فالأصلح للسلطان أن يرجع بعساكره وهو يتعهد بدفع الجزية كالأول ولما شكل الإمبراطور مجلسه الخاص وعرضه عليه ما قاله رسول السلطان أطرقت الأعضاء برؤوسهم ولم يعارض واحد منهم دلالة على القبول ما عدا رسول البابا ومندوب إسبانيا وغيرهما فإنهما أشارا على الإمبراطور بمداومة القتال وانتظار أمداد أوروبا.
لما شرع السلطان في الهجوم العام رتب عساكره وقسمهم إلى فرق تحت قيادة أمهر ضباطه ونادى مناديه في المعسكر بأن أوّل من يتسلق سور المدينة من العسكر يوليه السلطان ولاية من أغنى الولايات وينعم عليه بالعطايا الوافرة والإنعامات الجزيلة وأخذ هو يجول بين الصفوف على ظهر جواد يحرض الجند ويستحثهم وأمر فسار المتطوّعون أمام العسكر وبيد بعضهم أحجار وبيد البعض الآخر أخشاب أو أكياس ملئت بالطين والرمل ليلقوها بالخندق لتكون كالجسر يعبرون عليه لامتلاك المدينة.
ولما صدر لهم الأمر بالسير اندفعوا كالسيل المنهمر وانقضوا كالأسود وصاروا يلقون ما بأيديهم بالخنادق فأنصبت عليهم من أعلى السور نيران الأعداء وقتلت منهم كثيراً وأظلم الجو من دخان المدافع وحجبت الشمس حتى صار النهار ليلاً وقابلتهم سهام الهاجمين كل ذلك والجيوش المنتظمة لم تبد أقل حركة مدة ساعتين حتى تعب عسكر الإمبراطور وضعفت نيرانهم فعند ذلك تحركت تلك الفرق وزحفت على الأسوار بقلوب لا تخاف الموت وأمامهم أبراج من الخشب على عجل يجرها الجند مكسوة من الخارج بجلود يبلونها بالماء على الدوام لتمنع تأثير النيران التييقذفها المحاصرون وبداخلها عدد من أبطال الجند معهم آلات الدفاع.
وشرع النقابون من أهالي توقات في نقب الأسوار ورميت سلالم التسلق على الأبراج واشتبك القتال وقويت نيران الأعداء بعد ضعفها وفتحت مدافع العثمانيين أفواهها الشبيهة بالبراكين حين ثورانها وقذفت عليهم مقذوفاتها الهائلة وصار الإمبراطور يطوف بنفسه على العسكر ليبعث فيهم روح القوّة الخامدة ثم اقترب العثمانيون من الأسوار جدّاً وضربت مدافعهم أغلب الحصون والأبراج وعبروا الخندق على الجثث الملقاة به ودخلوا المدينة فاستولوا عليها عنوة.
ويقال إن الإمبراطور قتل أثناء مقاومته الهاجمين خلف الباب ويقال إنه أصابه سهم وهو فوق السور يحرض عسكره فخر قتيلاً وسمعه أحد عسكره المنهزمين يتضرع إليه بأن يحتز رأسه لكي لا تعلم جثته بين القتلى فيمثل بها المتغلبون.
وكانت القسطنطينية في غاية المنعة متينة الأسوار والحصون والأبراج وقد حوصرت تسعاً وعشرين مرة وكانت هي المنصورة وكان بها من السكان إذ ذاك أزيد من 300 ألف نسمة.
ولما استولى السلطان المشار إليه على تلك المدينة الجسيمة وامتلكها بحق الافتتاح أبقى للنصارى عدّة كنائس خصوصاً الكنائس الموجودة بالقسم المنخفض من المدينة فإنها لم تُمس أصلاً ووجد الفاتحون بالمدينة من الأموال والنفائس والأمتعة الثمينة شيئاً كثيراً جداً خصوصا ما كان للقياصرة بقصورهم.
ومما يدل على مكارم أخلاق هذا السلطان أنه أبقى للنصارى خلاف ما أبقاه لهم من الكنائس والصوامع كنيسة وحارة بتمامها مراعاة لمهندس معماري يدعى كريستبول كان استعمله السلطان محمد في بناء بعض المباني وأعطاه تلك الحارة بتمامها لتكون ملكاً له ولذريته من بعده.
قال فولتير بعد روايته هذه الحادثة: ليست هذه الحادثة من الحوادث التي تستحق الذكر في التاريخ أي أن مهندساً كان يمتلك حارة بتمامها بل القصد أن نبين أن الأتراك لم يعاملوا النصارى بقسوة كما نعتقده نحن ولا تجيز أمة من أمم النصارى أن يكون للمسلمين مسجد ببلادها أصلاً بخلاف الأتراك فإنهم يسمحون لليونان المقهورين بأن تكون لهم كنائس وكثير من هذه بجزائر الأرخبيل تحت مراقبة أحكامهم .
وكان استيلاء العثمانيين على هذه المدينة العظيمة في يوم الثلاثاء عشرى شهر جمادى الآخر سنة 857هـ 29ماية 1453م بعد حصار دام ثلاثة وخمسين يوماً حسب رواية غالب المؤرخين، وقد أرخ بعضهم سنة افتتاحها بقوله: بلدة طيبة ولما دخلوا المدينة بحثوا عن جثة الأمبراطور بين القتلى ولما وجدوها حسب دلالة من يعرفه دفنوها بما يليق بها من التعظيم في مقابر الملوك وافتدى السلطان كثيراً من أمراء اليونان ممن كان وقع في يد العسكر أسيراً.
وقد أوقع هذا الظفر جميع أوروبا في الحيرة والاندهاش فهاجت ملوكها وماجت وأظهر السلطان مزيد التفاتة لراحة الرعايا وأمر للنازحين منهم بالعودة إلى أوطانهم وبحريتهم في معتقداتهم وأصولهم الدينية وبحسن تدبيره جعل شعلة هذا الهيجان تخمد نوعاً.
قال بعض المؤرخين: لما سقطت القسطنطينية في يد الفاتحين وقع الرعب في قلوب جميع سكان ممالك اليونان حتى كأنهم أصيبوا بمصيبة عظيمة فهاجت سكان مورة والجزائر المجاورة لها وتركوا مواطنهم هائمين على وجودهم لا يدرون أي جهة يقصدون.
ثم أمر السلطان بانتخاب بطريق لليونان حسب عادتهم فانتخب جورج جيناد يوس وألبسه التاج بيده وسلمه عصا البطارقة وقال له إذ ذاك: كن بطريرقاً لأمتك وليحفظك المولى ويجب عليك في جميع الأحوال أن تتأكد من محبتي وخلوص طويتي إليك وتتمتع بالمزايا التي كان يتمتع بها أسلافك من قبل ولما أمن اليونان على أنفسهم وأموالهم وحرية عبادتهم أصدر السلطان المشار إليه فرمانا يصرح لهم فيه بحكم أنفسهم بأنفسهم فشكلوا طائفة منفصلة تمام الانفصال عن الأمة الفاتحة وكان بطريرقهم جائزاً لرتبة وزير ودرجة شرف بين ضباط الانكشارية.
وبعد أن أتّم السلطان تنظيم أحوال هذه المدينة العظيمة وإصلاح ما تخرب من حصونها سافر في سنة 858هـ بالجيوش الكثيرة العَدَد والعُدَد لفتح بلاد جديدة فغزا مقاطعة بوسنة واستولى على أكثر بلادها وأضافها إلى أملاكه ثم قصد بلاد موره فأسرع أميراها هادمتر يوس وتوماس قسطنطين وطلبا من السلطان أن يقبل منهما دفع جزية سنوية قدرها 1200من الذهب فقبل منها وكان أرسل قبل ذلك أسطولاً تحت قيادة الرئيس خاص يونس ففتح قلعة أينوز وجزيرتي سمايرك وطاشيوز،وكانتا للبنادقة.
ولما عاد السلطان إلى أدرنه قتل وزيره جندره سي قرة خليل باشا بتهمة أخذ الرشوة من إمبراطور القسطنطينية وقت الفتح وقد كان الوزير المذكور يجتهد ويبذل المساعي في تحويل فكر السلطان وصرف عزمه عن فتح القسطنطينية وقد كان قبل ذلك أيضاً اجتهد في تثبيط همة السلطان بايزيد عندما أراد مقابلة جيش المتفقين في الواقعة الشهيرة التي انتصر فيها بورنة وقد عزل السلطان أيضاً كلا من الوزيرين يعقوب باشا ومحمد باشا لسوء طنه في سلوكهما نفيا إلى بعض البلاد البعيدة وبعد قتل خليل باشا بقي مسند الصدارة خالياً مدّة سنتين إلى أن وجهت إلى محمود باشا الشهير.
ولما كان فتح القسطنطينية قد أثار عوامل الغضب والحقد عند ممالك أوروبا خصوصاً بابا رومية كالكستوس الثالث منهم لما كان يرجونوا له من ضم الكنيستين الشرقية والغربية إلى بعضهما سعى في تأليف حملة صليبية فتم له ذلك وأغار جيش أوربى مختلط على حدود المملكة العثمانية بأوروبا سنة860 هـ 1456 م فلما بلغ السلطان محمد الفاتح نهض بجيش يبلغ 150ألف مقاتل وأسطول مركب من 200سفينة وذلك بعد أن رتب إدارة الأمور بالقسطنطينية وحاصر مدينة بلغراد عاصمة بلاد الصرب براً وبحراً وكاد يفتحها إلا أنه في خلال ذلك هاجم جان هونياد قائد المجر أساطيل العثمانيين وأتلف منها قسماً عظيماً وكان دخل المدينة قبل حصارها ودافع عنها دفاع الأبطال فالتزم السلطان بترك حصار بلغراد بعد أن قتل من جيشه عدد كبير وقد جرح هونياد في هذه الحرب جرحاً بليغا مات به بعد عشرين يوماً من رفع الحصار ولما علم السلطان بموته أرسل محمود باشا الصدر الأعظم فأتم فتح بلاد الصرب 860هـ .
وبذلك فقدت هذه البلاد استقلالها تماماً ثم توجه إلى مورة عن طريق سيروزو يكيشهر واستولى على مدينة كورنثة وما جاورها من البلاد وبذلك لم يبق لتوماس بالبولوغ أخي قسطنطين شيء من البلاد التي كانت له ثم أراد التقدّم لفتح بلاد مورة تماماً إلا أن ديمتر يوس تعهد بدفع الجزية فقبل السلطان ورجع عنه في هذه المرة ومع ذلك فإنه لما أظهر الطغيان بعد بقليل دخل السلطان بلاده في هذه السنة فأخضعها تماماً وفر توماس إلى إيطاليا وتوفي ديمتر يوس في إحدى جزائر الأرخبيل.
فتح أماصرة وسينوب وطرابزون:
لما نال السلطان مراده من الاستيلاء على بلاد الصرب واليونان حول عزيمته لتسخير الممالك الباقية في حالة استقلال على سواحل البحر الأسود وهي أماصره وطرابزون وسينوب وكانت الأولى تابعة للجنويزيين والثانية وهي طرابزون تابعة لأمراء من بيت قياصرة القسطنطينية وكانت تشكلت حين إغارة الحملة الصليبية الرابعة سنة 600هـ على مدينة القسطنطينية واستيلائهم عليها فتم له فتح أماصرة سنة 865 هـ وأخضع أيضاً مملكة طرابزون ولم ينفعها تصدي الأمير أوزون حسن لحمايتها من مخالب العثمانيين سنة 865 ثم نقل ملكها داود كومنين هو وعائلته إلى القسطنطينية ورتب السلطان لهم ما يكفيهم من المرتبات.
أما مدينة سينوب فقد استولى عليها من يد صاحبها إسماعيل بك من عائلة اسفنديار وهم بقية من طوائف ملوك الإسلام كانوا يحكمون قسطموني وسينوب وهم وإن كانوا يدفعون للدولة أتاوة سنوية معينة إلا أنهم كانوا لا يفترون عن بث الدسائس وإقلاق الراحة بجهات الدولة العثمانية كلما تمكنوا من ذلك ولما رأى السلطان أن بقاء هذه الإمارة وإن كانت خاضعة له عرقلة لمساعيه، أراد محو استقلالها وضم الممالك الإسلامية المتفرقة إلى بعضها ولذلك أصدر أمره إلى وزيره الأعظم محمود باشا بمداركة ما يلزم لفتح تلك الإمارة، فساق عليها جيشاً برياً واسطولاً مؤلفاً من مائة غراب حربي .