السلطان يلديرم بايزيد الأول ابن السلطان مراد 791-805هـ:
بويع له في ميدان حرب قوصوة يوم موت أبيه 791هـ وكان عمره 30 سنة وكان على جانب عظيم من الشجاعة والإقدام ولهذا لقبوه بيلديرم أي الصاعقة فتتبع خطوات أبيه في الغزو والجهاد وبعد أن بايعه الجنود والوزراء عاد إلى بروسه ونقل معه جثة والده فدفنت هناك ثم أرسل قائده الشهير تيمور طاش باشا إلى حدود الصرب فاستولى على قره طوه وما حولها من البلاد وأدخل استفان ملك الصرب تحت طاعة الدولة وكان السلطان انتخبه ملكاً لبلاده بعد واقعة قوصوه المذكورة وترك له استقلاله بشرط دفع جزية معينة وتقديم عدد معلوم من الجنود وقت الحرب وطلب من السلطان على لسان قائده أن يتنازل بقبول أخته الأميرة مليجه لتكون زوجة للسلطان فقبل السلطان منه مطلبه وتزوّج بها وفي تلك التجريدة استولى القائد المذكور على يكيد وبوسنة ودخل فيروز بك مملكة الأفلاق غازياً ففتح وغنم ثم عاد إلى بروسه ظافراً غانماً.
وفي سنة 792هـ استولى السلطان بنفسه على قلعة آلاشهر بآسيا المسماة فيلاد لفيا لدى الفرنج وكانت آخر مدينة مهمة بقيت للقسطنطينية بآسيا ثم استولى على مملكة آيدين صلحاً وأحال إدارتها على الأمير أرطغرل ولما استولى على سنجق صاروخان ألحقه بمقاطعة الأمير سليمان وهي قره سي ثم أخضع جهات آمد شهر وآق سراي وأضافها إلى حكومته وبعد أن أخضع جميع البلاد المستقلة من جهات الأناضول زحف بجيش عظيم على نواحي الزومللي واستولى على مدينة سلانيك ثانية وكانت لملوك الروم ثم اتفقت البنادقة وفرانسا وجنوة وإسبانيا 796هـ وأرسلت أساطيلها لإخراج العثمانيين من سلانيك فقاومتهم الجيوش العثمانية وألزمتهم الرجوع عنها خاسرين.
ثم استولى العثمانيون على قلعة يكيشهر ولما عاد السلطان إلى بروسه بلغه أن الإمبراطور باليولوغوس اتفق مع ملوك المجر والصرب وفرنسا عليه وإنهم سيهاجمون بلاده قريباً ولهذا استعد سريعاً وعبر بحر مرمرا قاصداً أدرنة ثم تقدم بجيشه وحاصر القسطنطينية وركب عليها المنجنيقات وفي خلالها ساق ملك المجر جيشاً على صوفية وودين ونيكويولي فالتزم السلطان أن يرجع عن القسطنطينية ليقابل جيش المتحدين ولما التقى الجمعان هزمهم شر هزيمة وهرب ملك المجر في زورق بنهر الطونة وأخذ العثمانيون عدّة آلاف من الأسرى وغنموا غنائم وافرة ويقال إن قتلى جيش المتفقين بلغوا 80 ألفاً.
وفي سنة 798 هـ أرسل السلطان يلديرم بايزيد تحسين بك ابن تيمور طاش باشا إلى ضواحي الإستانة فاستولى على حصار شبلة وتقدّم داخل سنجق قوجه ايلي حتى وصل إلى مضيق البحر الأسود وهناك أنشأ قلعة أناضول حصار الشهيرة ولما خاف إمبراطور القسطنطينية من تقدّم السلطان بايزيد مع عدم مقدرة من يتصدى له من ملوك أوروبا الذين استجار بهم أرسل جملة هدايا يستجلب بها رضا السلطان متعهداً ليدفع جزية سنوية معينة وعجل بدفع جزية سنة ورضي بأن يسكن المسلمون القسطنطينية وأن يكون لهم بها مسجد وقاض يحكم في نوازلهم وكان ذلك على يد علي باشا الصدر الأعظم.
ولما علم ملك بخارى بما حازه العثمانيون من الانتصارات بعث يهنئ السلطان وأرسل له سيفاً مرصعاً نفيساً سنة 800هـ لما أوتيه من الفتوحات الباهرة إذ كانت العادة جارية إذ ذاك بأنه متى انتصر السلطان على أعدائه أخبر ملوك الإسلام المعلومين بتلك الانتصارات بمكاتيب يرسلها لهم ولقبه أيضاً الخليفة العباسي بمصر المتوكل بن المعتضد بلقب سلطان أقاليم الروم وفي تلك الأثناء غزا أطراف البلغار ومقدونيا وبحيثجزيرة مورة ومدينة أثينا وجهات ترحاله واستولى على معظم تلك الجهات.
ثم تفرغ بعد ذلك للاستعداد لحصار القسطنطينية مرة ثانية وبينما هو يهتم في ذلك إذ أغار تيمورلنك على المملكة العثمانية فاستعد السلطان لملاقاته وجمع جنوده وذهب فعسكر قريباً من مدينة أنقرة ولما استعد الطرفان للقتال ووقعت العين على العين انفصل جنود آيدين ومنتشا وصاروخان الذين بجيش العثمانيين وعددهم خمسون ألفاً وانضموا إلى تيمورلنك لوجود أمرائهم الأصليين الذين استولى العثمانيون على بلادهم معه وكانوا التجؤا إليه لما شاهدوه من بأسه فضعفت بذلك قوّة العثمانيين جداً وداخلهم الخوف ووقع الخلل في صفوفهم ولم يبق لهم إلا الانكشارية وعددهم عشرة آلاف وعساكر الرومللي.
ولما اشتعلت نيران الحرب انهزم العثمانيون هزيمة منكرة ووقع السلطان بايزيد مع ابنه أسيراً في يد تيمورلنك فلم يقتله وأكرم مثواه وفي رواية أنه أهانه وأبقاه بطرفه ثم انتشر التتار في داخل المملكة العثمانية يخربون وينهبون ما أرادوا وقد كانت هذه الهزيمة سبباً في تراكم الهموم على السلطان فأصابه مرض توفي به سنة 805 هـ .
وصرح تيمورلنك للأمير موسى جلبي ابنه بأن يدفن أباه في مقابر سلاطين العثمانيين فنقله إلى بروسة ودفنه بالجامع الذي شيده فيها وهذا دليل على احترام تيمورلنك للسلطان بايزيد وترك المرحوم المشار إليه من الأولاد سبعة وهم أرطغرل وموسى جلبي وسليمان وعيسى ومحمد ومصطفى وقاسم.
وكان السلطان بايزيد رحمه الله من خيار الملوك وبطلاً من أشجع الأبطال وكان عليّ الهمة قوي النفس وساد الأمن في أيامه حتى كان الرجل يصادف الحمل من البضاعة مطروحاً في الطريق فلا يتعرض له وكان شديد البطش محباً للفتوحات فتح عدّة مدن لم تصلها جيوش العثمانيين من قبله.
فاصلة السلطنة
وقائع الدولة بعد واقعة أنقرة 805-816 هـ:
قد كان تيمورلنك بعد غلبته على العثمانيين يقصد تمزيق دولتهم وتفريق جامعتهم وأن لا تقوم لهم بعد ذلك قائمة ولهذا ساعد أمراء بلاد الأناضول على استرجاع البلاد التي كانت لهم سابقاً وافتتحها العثمانيون ثم قامت المنازعات في السنة التي مات فيها بايزيد بين أولاده بخصوص الجلوس على كرسي السلطنة وانضم إلى كل شيعته فذهب سليمان إلى بروسه ووضع يده على بيت مالها ثم توجه إلى أدرنة وجلس على تخت السلطنة المضطربة الأركان بمساعدة الجنود ووقعت الفوضى في بر الأناضول ونازل أولاد السلطان فيها بعضهم بعضاً ووقع الأمير موسى في يدل المغول واختفى الأمير عيسى بمكان ببروسة ثم أعلن سلطنته بمساعدة الوزير تيمور طاش وذهب الأمير محمد إلى أماسيا منتظراً سنوح الفرصة وكان تغلب على عسكر المغول في بعض الوقائع واسترد منهم بعض المدن.
ثم إن الأمير سليمان التجأ إلى أمبراطور القسطنطينية أمانويل الثاني خوفاً من المغول واتفق معه على أن يمدّه بالجنود والأموال ليقبض على زمام السلطنة وتنازل له في مقابلة ذلك عن بعض جهات منها سالونيك وتزوج إحدى قريبات الإمبراطور ولما بلغ موسى جلبي انتصار السلطان محمد بالأناضول واشتباكه في الحروب مع التتار وغيرهم تقدم هو نحو بروسه يريد الجلوس على تختها ومما زاد الحالة ارتباكاً والأمور صعوبة أن أولاد السلطان بايزيد كانوا يستعينون بتيمورلنك على بعضهم فكان يحرضهم على مقاتلة بعضهم ليخربوا بيوتهم بأيديهم وبعد أن تمكن تيمورلنك من تمزيق شمل المملكة العثمانية ورد غالب الأمراء الذين انتزع منهم العثمانيون بلادهم إلى ممالكهم وأطاعته آسيا الصغرى بأكملها داخلة الطمع لحب الاستكثار من الدنيا فسار يقصد بلاد الصين الغنية ليخضعها لسلطنته إلا أن المنية لم تمهله إذ مات في سن متقدم بإحدى مدن إقليم خوقند 807هـ1404 م .
وبعد أن ترك تيمورلنك بلاد الأناضول استمرت المقاتلات بين من بقي من أولاد السلطان وقتل الأمير محمد أخاه الأمير عيسى بعد أن حاربه عدة مرات وبذلك خلصت جميع آسيا الصغرى للأمير محمد بلا منازع ثم تمكن بعد ذلك من استخلاص أخيه موسى وكان عند أمير كرميان سلمه إليه تيمورلنك قبل سفره وأوصاه بالمحافظة عليه ثم إن الأمير محمد جهز لأخيه عيسى جيشاً عظيماً وأرسله إلى أوروبا لمحاربة أخيه الأمير سليمن الذي كان استقل بها إلا أنه لم يتمكن من قهره بل عاد مهزوماً إلى آسيا ثم جمع جيشاً آخر ودعا به إلى أوروبا واقتتل مع أخيه سليمان خارج مدينة أدرنة وقتله 813هـ ثم أغار موسى على بلاد الصرب معاقباً لأهلها في خروجهم عن الطاعة وقهر ملك المجر سجسموند لأنه أراد صده عن الدخول إلى بلاد الصرب ثم إن الأمير موسى داخله الطمع والكبرياء لما أوتيه من النصر فعصى أخاه محمداً وأراد الاستقلال ببلاد الدولة التي بأوروبا وحاصر القسطنطينية يريد فتحها لنفسه فاستنجد ملكها بالأمير محمد فأتى إليه مسرعاً وقاتل أخاه حتى ألزمه برفع الحصار عنها ثم تحالف الأمير محمد وملك القسطنطينية وملك الصرب وأخذوا في نصب المكايد والحيل للأمير موسى حتى تفرق عنه جيشه وغالب قواده ثم قبض عليه أخوه وقتله 826 هـ وبذلك انفرد الأمير محمد بالسلطنة العثمانية بلا منازع.