استيلاء العثمانيين على مصر 922هـ 923هـ:
قد سبق ذكر الفتور في العلاقات الذي حدث بين ملوك الجراكسة حكام الديار المصرية والشامية وبين السلطان محمد خان الفاتح وما تسبب عن ذلك من الحروب التي قامت بينهم وبين السلطان بايزيد خان وتوسط فيها العلماء وملك تونس حقناً للدماء حتى أصلحوا ذات البين إلا أنه لما كانت حكومة ذي القدرية هي الحد الفاصل بين مصر والدولة العثمانية وكانت مركزاً للفتن والدسائس اهتم السلطان بإزالة حكومتها وقتل أمرائها فوقع هذا العمل عند الملك الأشرف قانصوه الغوري موقعاً سيئاً وطلب من السلطان الترضية عن ذلك بأن تستمر الخطبة في الأقليم المذكور باسم قانصور فجاوبه السلطان على مكتوبه بألفاظ التهديد والوعيد وبعث له برأس الأمير علاء الدولة آخر أمراء بلاد ذي القدرية.
فقام الغوري لذلك وقعد وعزم على الأخذ بالثأر وأخبر بذلك محالفة الشاه إسماعيل الذي أخذ في إضرام نار التحريض في قلبه مشجعاً له على محاربة آل عثمان وأعدا إياه بالمساعدات فأخذ السلطان الغوري في جمع الجنود والإكثار من العدة والسلاح على حد قول المثل: استعد بالسلاح إن أردت الصلح والصلاح.
وفي سنة922 هـ جهز السلطان جيوشه مظهراً أنه يريد الحملة على بلاد إيران مع أنه في الحقيقة مصمم على فتح بلاد مصر ثم خرج الوزير الأعظم خادم سنان باشا طليعة بجيش مؤلف من أربعين ألف مقاتل واتجه إلى قيصرية ومنها إلى ديار بكر ثم قام السلطان بعده بجيش عظيم يبلغ مائة ألف وخمسين ألف مقاتل ومعه المدافع الكثيرة والعدد الوافرة وأرسل المولى ركن الدين قاضي عسكر الرومللي مع قره جه باشا من طرفه إلى سلطان مصر ليقفوا على حالته ونواياه وكان قبل خروجه ترك على مدينة أدرنة ولده الأمير سليمان وعلى إستانبول الوزير بري باشا وعلى بروسة هرسك زاده أحمد باشا وأوصاهم بالمحافظة على الأمن وسير أيضاً اسطولاً عظيماً للذهب إلى مدينة الإسكندرية تحت قيادة القبودان جعفر بك.
وكان السلطان الغوري يتوجس شراً من استعدادات السلطان وقد قوى عنده هذا الفكر خصوصاً حينما وصلت الأساطيل العثمانية إلى مياه الإسكندرية عند ذلك اهتم بالاستعدادات الحربية وخرج بجيش عظيم إلى مدينة حلب مترقباً ما سيحصل ثم بث العيون في كل مكان ليأتوه بالأخبار وأخذ أيضاً في مخابرة أوزون حسن والشاه وإسماعيل المقهورين ليتفقوا جميعاً على الإغارة على البلاد العثمانية وغير ذلك وبينما الغوري بحلب إذ قدم عليه سفير السلطان فأمر بالقبض عليهما وكبلهما بالقيود وألقاهما في السجن وبعد أيام أخلى سبيلهما وطيب خاطرهما وردهما إلى بلادهما.
وبينما هما في الطريق قابلا الجيش العثماني بمكان يقال له بوجاق دره ولما أخبرا السلطان بما حصل لهما وما شاهداه أمر جيشه بالاتجاه نحو الجنوب لأنه كان يروي يقصد في أول الأمر التنكيل بالشاه إسماعيل ثم يقصد مصر بعد ذلك فانحدرت جيوش نحو مصر ولما وصل إلى مدينة عينتاب أتاه واليها المصري المدعو يونس بك طالباً الأمان فأمنه وجعله دليلاً وما زال يقطع الفيافي والقفار حتى وصل إلى مرج دابق القريب من حلب في 26رجب سنة 922 أغسطس 1516م وتلاقت عساكره مع عساكر الغوري وبعد مناوشات بقيت أياماً حصلت بين الطرفين محاربة عظيمة انجلت عن هزيمة المصريين هزيمة منكرة وقتل قانصوه وكثير من أمرائه واغتنم السلطان سليم جميع أمواله وذخائره ثم دخلت الجنود العثمانية مدينة حلب فاغتنمت جميع ما بها من النقود والأشياء النفيسة ثم بعدها استولى السلطان على حماة وحمص ودخل دمشق الشام بكل سهولة وانقادت لسلطانه جميع مشايخ العرب والدروز.
وبعد أن مكث ببلاد الشام نحو أربعة شهور للنظر في أحوالها استمر سائراً نحو الجنوب وفتح في طريقه قلعة القدس الشريفة وغزة واستصحب معه وإليها جانبرك الغزالي ثم عقد مجلساً من القواد والأمراء فاستقر رأيهم على التقدم لفتح بلاد مصر ولما وصل إلى صحراء السويس بلغه أن طومان باي الذي تبوّأ تخت مصر بعد قانصوه الغوري وكان ولاه عليها قبل سفره يهتم بتجهيز الجيوش وإعداد العدد لصده عن دخول مصر فأرسل له السلطان بأن يكف عن ذلك وهو يبقيه على الديار المصرية بشروط منها الإقرار بالتابعية العثمانية وضرب السكة باسم السلطان وكذا تكون الخطبة فلم يقبل وفي يوم 29 ذي الحجة من السنة المذكورة تقابل مع جنود طومان باي قريباً من الخانقاه بمكان يدعي الريدانية وحصلت معركة شديدة انهزم فيها عساكر طومان باي بعد أن أظهروا من الفروسية والشجاعة ما لا يوصف مع عدم حيازتهم للأسلحة النارية وأسر المصريون سنان باشا فقتله طومان باي ببركة الحج وكذا قتل من أمراء العثمانيين في هذه الواقعة محمود بك ابن رمضان ويونس بك والي عينتان المتقدم وغيرهما.
وبعد قتل طومان باي دخل السلطان سليم القاهرة عاصمة الديار المصرية وكان قبل ذلك يقيم هو وجنوده بجزيرة الروضة 923هـ ثم أنه رحل إلى الإسكندرية في طائفة من جنوده وأبقى بها حامية تحت قيادة جعفر بك وأسطولاً لحماية البلاد من تلك الجهات ثم عاد إلى القاهرة مهتماً بتنظيم أمورها والنظر فيما تحتاجه.
انتقال الخلافة الإسلامية لسلاطين آل عثمان 922هـ:
لقد كان فتح الدولة العلية لبلاد مصر ودخول هذه البلاد المشهورة من القديم بالثروة وحسن الموقع في عداد الولايات العثمانية موجباً للفوائد العظيمة مالية كانت أو سياسية ومن حسن حظ السلطان سليم أنه في أثناء إقامته بمصر حضر ابن أبي البركات شريف مكة المكرمة وقدم له بيده مفاتيح الحرمين الشريفين طائعاً مختاراً وهنأه بالفتح بالنيابة عن والده وصارت الخطب التي تتلى بالمساجد في أيام الجمع والأعياد بعد فتح حلب يذكر فيها السلطان بعنوان خادم الحرمين الشريفين وأنه عند عودته إلى القسطنطينية أخذ معه المتوكل على الله آخر الخلفاء العباسيين بمصر وتنازل له المتوكل عن الخلافة الإسلامية فانضمت من وقتئذ الخلافة الإسلامية الكبرى للسلطنة العظيمة العثمانية وأنه في أثناء إقامة السلطان بمصر قدم له الرئيس بارباروس خير الدين الطاعة وبذلك صارت بلاد البر بر معدودة ضمن إلا يالات العثمانية.
وفاته:
وفي سنة 926 هـ خرج بجيش عظيم كامل العدد والعدد يقصد مدينة أدرنة فمات بالطريق.
ولقد كان رحمه الله من أكبر السلاطين وأعظمهم همة وأوفرهم عقلاً وأسدهم رأيا وأثبتهم جناناً وأعلمهم وأقدرهم وأمضاهم عزيمة شديد الشكيمة وكان يستدل من أطواره وحركاته تحقيق أقصى أمانى موسى بن نصير وعبد الرحمن الغافقي من المجاهدين السابقين من إدخال البحر المتوسط الأبيض في دائرة الإسلام وضم الممالك الإسلامية المتفرقة إلى رأي واحد ووجهة متحدة ولو أمد الله في أجله لكان حقق هذه الأماني الشريفة وكان يقول الشعر بالبحر الأحمر بواسطة ترعة تمر من برزخ السويس كالتي فتحت حديثاً لولا أن وزراءه ثنوا عزمه عن هذا الأمر وكان قصده منه إرسال الأساطيل بحراً لقتال سلطان المغول ببلاد الهند وهو من سلالة تيمور لنك مقابلة لما فعله بالعثمانيين.