حاولت ألمانيا أن تجعل بريطانيا تعاني من الجوع وتستسلم بإغراق سفن الشحن المتوجهة إلى موانئها وهذه السفينة التي نراها في الصورة قد أطلق على مقدمتها طوربيد من غواصة ألمانية.
الحرب الجويةحدث تقدم كبير في الطيران من جانب الحلفاء والدول الوسطى خلال الحرب العالمية الأولى.
كان كل جانب يسعى لصنع طائرات أحسن من الآخر.
وقد استخدمت الطائرات بشكل رئيسي لمراقبة نشاط العدو.
وكان الطيارون يحملون مدافع رشاشة لإسقاط الطائرات المعادية؛ ولكنهم كانوا بهذا يجازفون بقتل أنفسهم بأنفسهم إذا ما حدث أن ارتدت رصاصاتهم إلى نحورهم بفعل مراوح طائراتهم.
الطيارون أدوا دورا مهما في الحرب العالمية الأولى وقد حارب هؤلاء الطيارون في القوة الجوية البريطانية طائرات ألمانيا.
واستمر القصف الجوي في مراحله الأولى خلال الحرب العالمية الأولى وفي سنة 1915م بدأت ألمانيا قذف لندن وبعض المدن البريطانية الأخرى من سفن زبِّلن الهوائية لكن القذف كان قليل التأثير في الحرب.
المرحله الاخيرةهزائم الحلفاءفي مارس 1917م كان القادة العسكريون الفرنسيون والإنجليز ما يزالون يعتقدون أن هجوما ناجحا قد يكسب الحرب لكن القادة الألمان استغلوا الجمود على الجبهة الفرنسية ليحسنوا دفاعاتهم.
وفي مارس 1917م تقهقرت القوات الألمانية إلى خط معركة جديد محصن بقوة في شمال فرنسا سمي بخط سيجفريد لدى الألمان وبخط هندنبرج لدى الحلفاء.
لقد حاصر خط سيجفريد الجبهة الفرنسية ووضع المدفعية الألمانية والمدافع الآلية في وضع أفضل وأدى إلى فشل هجوم دبره الفرنسيون.
حل الجنرال روبرت نيفيل في ديسمبر 1916م محل جوفر كقائد للقوات الفرنسية وأعد نيفيل هجوما ضخما قرب نهر آين.
وتنبأ بأنه سوف يخترق خط الألمان خلال يومين.
وأنعش إحساس نيفيل القوات الفرنسية ولم يزعزع ثبات الألمان في خط سيجفريد من ثقة نيفيل.
| نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بالمقاس الحقيقي |
جنود روس أنهكتهم الحرب يتراجعون في صيف عام 1917م بعد أن علموا بأن الألمان قد سحقوا جبهتهم الحربية. وقد توقفت روسيا عن المعارك في أواخر تلك السنة.
وبدأ هجوم نيفيل في 16 أبريل 1917م وفي نهاية اليوم كان واضحا أن الهجوم قد فشل لكن القتال استمر في مايو وانتشر التمرد بين القوات الفرنسية بعد فشل هجوم نيفيل.
لقد نزفت القوات دماء كثيرة لاحد لها في الجبهة الفرنسية.
ورفض الرجال الذين قاتلوا بشجاعة معظم السنوات الثلاث أن يستمروا في الحرب وحل بيتان بطل فردان محل نيفيل في مايو 1917م وحسن بيتان من الظروف المعيشية للجنود وأعاد النظام ووعد أن تظل فرنسا في وضع دفاعي إلى أن تصبح مستعدة لكي تقاتل مرة أخرى.
وظل دور الدفاعات الأخرى على الجبهة الغربية مسؤولية بريطانيا.
كان الجنرال هيج يأمل أن يؤدي الهجوم البريطاني قرب إيبرو إلى النصر وبدأت المعركة الثالثة عند إيبرو وكانت تعرف بمعركة باشندال في 31 يوليو 1917م.
واستمرت القوات البريطانية وقوة فرنسية صغيرة تضرب الألمان في معركة رهيبة لأكثر من ثلاثة أشهر ولقد عمل قصف الحلفاء بالمدفعية الثقيلة الذي تقدم هجوم المشاة على تدمير شبكات الصرف الصحي حول إيبرو وحول المطر الغزير الأرض المبللة إلى مستنقع غرق فيه آلاف من الجنود الإنجليز ثم أوقف الثلج والبرد المعركة المدمرة نهائيا في 10 نوفمبر.
وفي أواخر الشهر نفسه استخدمت بريطانيا الدبابات لاختراق خط سيجفريد لكن الفشل عند إيبرو أنهك القوات التي كانت بريطانيا تحتاج إليها لمتابعة النجاح.
في سنة 1917م رأت بريطانيا وفرنسا آمالهما في النصر تتحطم وأجلت النمسا ـ المجر الإيطاليين من أراضيها في معركة كابوريتو في الخريف وانعدم أمل أكثر الحلفاء بعد قيام ثورة في روسيا.
الثورة الروسيةعانى الشعب الروسي كثيرًا خلال الحرب العالية الأولى وخلال سنة 1917م لم يعد كثير منهم قادرًا على تحمل الخسائر العديدة والنقص الخطير في الطعام وأخذوا ينحون باللائمة على القيصر نيقولا الثاني ومستشاريه فيما يتعلق بمشكلات البلاد.
وفي أوائل 1917م أطاحت ثورة في بتروغراد (حاليًا بيترسبيرج) بالعرش واستمرت الحكومة الجديدة في الحرب.
ولكي تضعف ألمانيا من مجهود روسيا الحربي فقد ساعدت ف. ل. لينين، وهو ثائر روسي كان يعيش آنذاك في سويسرا في العودة إلى بلده في أبريل 1917م.
وبعد سبعة أشهر قاد لينين ثورة تمكن بها من السيطرة على حكم روسيا وطالب في الحال بمعاهدة سلام مع ألمانيا وانتهت الحرب على الجبهة الشرقية.
وأملت ألمانيا شروط صلح قاسية على روسيا في معاهدة صلح وقِّعت في برست ـ ليتوفسك في 3 مارس 1918م وأجبرت معاهدة برست ـ ليتوفسك روسيا على أن تتنازل عن مساحات كبيرة من الأرض تشمل فنلندا وبولندا وأوكرانيا وبسارابيا ودول البلطيق: أستونيا وليفونيا (لاتفيا حاليا) ولتوانيا ومكن انتهاء القتال على الجبهة الشرقية القوات الألمانية من أن تنتقل إلى الجبهة الغربية.
وبدا أن العقبة الوحيدة أمام إحراز الألمان للنصر هو دخول الولايات المتحدة الحرب.
الولايات المتحدة الأمريكية تدخل الحربأعلن الرئيس ولسون رئيس الولايات المتحدة حياد الولايات المتحدة في بداية الحرب؛ فقد عارض معظم الأمريكيين تورط الولايات المتحدة في حرب أوروبية لكن غرق السفينة لوسيتانيا وبعض أعمال ألمانيا الأخرى ضد المدنيين أحدث تعاطفا مع الحلفاء.
في 2 أبريل دعا ولسون إلى الحرب قائلاً: "إن العالم لابد أن يصل آمنا إلى الديمقراطية" وأعلن الكونجرس الحرب على ألمانيا في 6 أبريل. وتوقع قليل من الناس أن تفعل الولايات المتحدة الكثير من أجل إنهاء الحرب.
| نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بالمقاس الحقيقي |
الرماة الأمريكيون يزحفون خلال منطقة مزقتها الحرب في شمال شرقي فرنسا أثناء خريف عام 1918م حيث جرى الهجوم الأخير خلال الحرب العالمية الأولى.
وتقع المنطقة بين نهر الميوز وغابة أرجون.
وقد اشتركت في هذا القتال قوات أمريكية كثيرة وعرف هذا الهجوم باسم هجوم ميوز ـ أرجون.
المعارك الأخيرةأنعش انتهاء الحرب في الجبهة الشرقية أمل الألمان في النصر وفي أوائل 1918م كانت القوات الألمانية تتفوق على الحلفاء في الجبهة الغربية وشنت ألمانيا ثلاث هجمات في الربيع.
كان لودندورف قد خطط بأن يقوم بضربة ساحقة على الحلفاء قبل أن تصل القوات الأمريكية إلى الجبهة واعتمد على عنصر السرعة والمفاجأة.
ضربت ألمانيا ضربتها قرب سان كنتان وهي مدينة في وادي نهر السوم، في 21 مارس 1918م وانسحبت القوات البريطانية نحو 25 كم.
وفي آخر مارس بدأ الألمان ضرب باريس، وكانت مدفعيتهم الضخمة تقذف بالقذائف إلى مدى 120 كم.
وبعد خسارتهم عند سان كنتان اجتمع قادة الحلفاء لوضع خطة دفاعية جديدة.
وفي أبريل عينوا الجنرال فرديناند فوش من فرنسا قائداً أعلى للقوات المتحالفة في الجبهة وبدأ هجوم ألماني ثان في 9 أبريل على طول نهر لي في بلجيكا وناضلت القوات البريطانية ببسالة وأوقف لودندورف الهجوم في 30 أبريل.
وعانى الحلفاء من خسائر كبيرة في كلا الهجومين لكن خسائر الألمان كانت فادحة هي الأخرى.
هجمت ألمانيا للمرة الثالثة في 27 مايو قرب نهر آين.
وفي 30 مايو وصلت القوات الألمانية إلى نهر المارن وساعدت القوات الأمريكية فرنسا لوقف التقدم الألماني عند مدينة شاتو تييري، وهي على بعد أقل من 80 كم شمال شرق باريس.
وخلال يونيو طردت الولايات المتحدة الألمان من غابة بيلو قرب المارن.
وعبرت القوات الألمانية المارن في 15 يوليو وأمر فوش بشن هجوم مضاد قرب مدينة سواسون في 18 يوليو.
واستمرت المعركة الثانية من 15 يوليو إلى 6 أغسطس 1918م. ومثلت نقطة تحول في الحرب العالمية الأولى وبعدها تقدم الحلفاء بثبات.
وفي 8 أغسطس هاجمت بريطانيا وفرنسا الألمان قرب آميان.
بدأ الهجوم الأخير في الحرب العالمية الأولى في 26 سبتمبر 1918م. واشتركت قوات أمريكية مكونة من نحو 900 ألف في قتال شرس بين غابة أرجون ونهر الميوز.
وتحقق لودندورف من أن ألمانيا لن تستطيع أن تتغلب على قوات الحلفاء الأكثر منها قوة.
الجبهة الغربية سنة 1918م | نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بالمقاس الحقيقي |
نهاية القتالكسب الحلفاء الانتصارات على طول الجبهات في خريف 1918م واستسلمت بلغاريا في 29 سبتمبر وانتصرت القوات البريطانية تحت قيادة الجنرال إدموند أللنبي على الجيش العثماني في فلسطين وسوريا.
وفي 30 أكتوبر وقَّعت الإمبراطورية العثمانية هدنة، وبدأت المعركة الأخيرة بين إيطاليا والنمسا ـ المجر في آخر أكتوبر في إيطاليا.
وهزمت إيطاليا النمسا ـ المجر بمساعدة من فرنسا وبريطانيا ووقعت النمسا ـ المجر هدنة في 3 نوفمبر.
كانت ألمانيا تترنح على حافة الانهيار كلما تقدمت الحرب خلال أكتوبر وكان حصار بريطانيا البحري قد أجاع الشعب الألماني ونشر تذمرا أدى إلى تظاهرات تطالب بالصلح وتخلى القيصر فيلهلم عن عرشه في 9 نوفمبر وطار إلى هولندا وتقابل وفد الحلفاء بقيادة فوش مع ممثلين ألمان في عربة سكة حديدية في غابة كومبيين في شمال فرنسا.
وفي صباح 11 نوفمبر 1918م قبل الألمان هدنة نهائية بشروط الحلفاء ووافقت ألمانيا أن تجلو عن الأراضي التي احتلتها خلال الحرب وأن تسلم أعدادا كبيرة من جيشها وسفنها وأدوات حربية أخرى وأن تسمح لقوى الحلفاء أن تحتل أرض ألمانيا على طول نهر الراين.
وأمر فوش بوقف القتال على الجبهة الغربية الساعة 11 قبل الظهر، وانتهت الحرب العالمية الأولى.
التواريخ المهمة أثناء الحرب العالمية الأولى --------------------------------------------------------------------------------
1914م 28 يونيو اغتيال الأرشيدوق فرديناند.
28 يوليو أعلنت النمسا ـ المجر الحرب على الصرب وتتابعت عدة إعلانات أخرى حربية في الأسبوع التالي.
4 أغسطس غزت ألمانيا بلجيكا وبدأت القتال.
10 أغسطس غزت النمسا ـ المجر روسيا مبتدئة القتال في الجبهة الشرقية.
6-9 سبتمبر أوقف الحلفاء الألمان في فرنسا في معركة المارن.
1915م 18 فبراير بدأ الألمان حصار بريطانيا.
25 أبريل أنزلت قوات الحلفاء في شبه جزيرة جاليبولي.
7 مايو أغرقت غواصة ألمانية سفينة النقل البريطانية لوزيتانيا.
23 مايو أعلنت إيطاليا الحرب على النمسا ـ المجر وبدأ تطور في الجبهة الإيطالية.
1916م 21 فبراير بدأ الألمان معركة فردان.
31 مايو -1 يونيو حارب الأسطول البريطاني الأسطول الألماني في معركة جتلاند.
1 يوليو بدأ الحلفاء معركة سوم.
1917م 1 فبراير استأنفت ألمانيا حرب الغواصات غير المحدودة.
6 أبريل أعلنت الولايات المتحدة الحرب على ألمانيا.
24 يونيو بدأت القوات الأمريكية الإنزال في فرنسا.
15 ديسمبر وقعت روسيا هدنة مع ألمانيا لإنهاء الحرب في الجبهة الشرقية.
1918م 8 يناير أعلن الرئيس الأمريكي ولسون نقاطه الأربع عشرة أساساً للسلام.
3 مارس وقعت روسيا معاهدة برست ـ ليتوفسك
21 مارس شنت ألمانيا أول معركة من المعارك الثلاثة النهائية في الجبهة الغربية.
26 سبتمبر بدأ الحلفاء هجومهم النهائي في الجبهة الغربية.
11 نوفمبر وقعت ألمانيا هدنة نهاية الحرب العالمية الأولى.
نتائج الحربالدمار والإصاباتسببت الحرب العالمية الأولى دمارًا كبيرًا إذ مات نحو 10ملايين جندي نتيجة للحرب وهو رقم يزيد عن عدد الذين ماتوا خلال المائة سنة السابقة للحرب وجرح نحو 21 مليون رجل.
أما الخسائر المالية فقد نجمت عن القوى التدميرية للأسلحة الجديدة خاصة المدافع الآلية وساهم القادة العسكريون في هذه المذابح لفشلهم في التَكيف مع الظروف المتغيرة للحرب.
خسرت كل من ألمانيا وروسيا نحو مليون وثلاثة أرباع المليون قتيل خلال الحرب العالمية الأولى وهو أكثر مما عاناه أي قطر آخر وكانت نسبة الموتى في فرنسا أعلى بالمقارنة بعدد جنودها الكلي.
فلقد خسرت نحو مليون وثلث المليون جندي؛ أي 16% من كل قواتها العاملة.
ولا أحد يعرف كم عدد المدنيين الذين ماتوا من المرض والجوع والأسباب الأخرى المتعلقة بالحرب ويعتقد بعض المؤرخين أن عدد المدنيين الذين ماتوا كان يساوي عدد الموتى من الجنود.
أما الخسائر المادية في الحرب العالمية الأولى فكانت أكثر في فرنسا وبلجيكا فقد خربت الجيوش المزارع والقرى بمرورها فيها وحفر الخنادق للقتال وخربت الحرب المصانع والجسور وقضبان السكك الحديدية أما جرارات المدفعية والمواد الكيميائية فقد خربت الأرض على طول الجبهة الغربية.
النتائج الاقتصاديةكبدت الحرب العالمية الأولى الأمم المتقاتلة نحو 337 بليون دولار أمريكي. وفي سنة 1918م كانت الحرب تكلف 10 ملايين دولار كل ساعة.
ورفعت الأمم المتحاربه ضرائب الدخل والضرائب الأخرى من أجل تمويل الحرب.
ولكن معظم الأموال جاءت من القروض التي أوجدت ديونا ضخمة واستدانت الحكومات من المواطنين ببيع سندات حربية واستدان الحلفاء كثيراً من الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك طبعت معظم الحكومات أوراقاً مالية إضافية لمواجهة حاجاتها ولكن الزيادة في النقود سببت تضخما ماليا قاسيا بعد الحرب.
سخرت دول أوروبا مواردها في الحرب العالمية الأولى وخرجت من الحرب منهكة ففرنسا على سبيل المثال فقدت عُشر قوتها العاملة ولم يجد كثير من الجنود العائدين في معظم أقطار أوروبا وظائف لهم وبالإضافة إلى ذلك خسرت أوروبا كثيرا من منتجات أسواقها عندما كانت تنتج مواد للحرب ورغم ذلك خرجت الولايات المتحدة بقوة اقتصادية متزايدة.
النتائج السياسيةهزت الحرب العالمية الأولى دعائم حكومات كثيرة وتصدت الحكومات الديمقراطية في بريطانيا وفرنسا لضغط الحرب لكن أربع ملكيات سقطت وكانت أول ملكية تسقط هي ملكية القيصر نيقولا الثاني في روسيا عام 1917م وتخلى القيصر ولهلم الثاني في ألمانيا والإمبراطور شارل من النمسا - المجر عن عرشيهما في سنة 1918م وسقط السلطان العثماني محمد السادس في عام 1922م.
أدى سقوط الإمبراطوريات القديمة إلى إيجاد أقطار جديدة في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وتكون من أرض النمسا ـ المجر قبل الحرب جمهوريات النمسا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وأجزاء من إيطاليا وبولندا ورومانيا ويوغوسلافيا.
وتنازلت روسيا وألمانيا عن أراضٍ لبولندا وفنلندا وحصلت دول البلطيق: أستونيا ولاتفيا ولتوانيا على استقلالها من روسيا ووضعت معظم الأراضي العربية في الإمبراطورية العثمانية تحت سيطرة فرنسا وبريطانيا.
وتكونت تركيا من باقي الإمبراطورية العثمانية ووضع قادة أوروبا في حسابهم المجموعات القومية لإعادة رسم خريطة أوروبا وبذلك رسخوا دواعي قضية القومية وأعطت الحرب العالمية الأولى الشيوعية الفرصة لتولي السلطة في أوروبا وتوقع بعض الناس أن تقوم ثورات شيوعية في أماكن أخرى في أوروبا وقويت الحكومات الثورية بعد الحرب لكن لم تقم حكومات شيوعية.
أوروبا والشرق الأوسط بعد الحرب:
ابتهاج بانتهاء الحرب العالمية الأولى: | نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بالمقاس الحقيقي |
[center]حشد مبتهج يملأ شوارع إحدى المدن الفرنسية في 11 نوفمبر 1918م
النتائج الاجتماعية
أحدثت الحرب العالمية الأولى تغييرات عدة في المجتمع فقد أثر موت كثير من الشباب على فرنسا أكثر مما أثر على أي قطر آخر وانخفض سكان فرنسا خلال العشرينيات من القرن العشرين بسبب انخفاض المواليد واجتثت الحرب الملايين من أبناء الشعب وهرب بعضهم من مناطق مزقتها الحرب ليجدوا بيوتهم ومزارعهم وقراهم خربة وصار بعضهم الآخر لاجئين نتيجة للتغيرات في الحكومات والحدود السياسية خاصة وسط وشرق أوروبا.
فضل كثير من الناس أن يستأنفوا سيرتهم الأولى بعد الحرب العالمية الأولى ونمت المناطق الحضرية بسبب تفضيل الفلاحين الإقامة في المدن بدلا من العودة إلى مزارعهم.
وملأت النساء الوظائف والمصانع بعد ذهاب الرجال للحرب وكن حريصات على أن يرسخن استقلالهن الجديد وأعطت أقطار كثيرة المرأة حق التصويت بعد الحرب وبدأ التباين بين الطبقات الاجتماعية يظهر نتيجة للحرب العالمية الأولى وأصبح المجتمع أكثر ديمقراطية، وفقدت الطبقات العليا الحاكمة بعضا من نفوذها وامتيازاتها بعد أن قادت العالم إلى حرب ضروس.
وواجه الرجال بكل طبقاتهم نفس الخطر والفزع في الخنادق وأخيرا صاغت الحرب العالمية الأولى اتجاهات جديدة وفقدت الطبقات الوسطى والعليا الأوروبية الثقة والتفاؤل اللذين كانت تشعر بهما قبل الحرب وبدأ كثيرٌ من الناس يعيدون النظر في بعض المفاهيم التي كانت راسخة لديهم مثال ذلك تغير الفكرة القائلة بتفوق الثقافة والحضارة الأوروبية على العالم كله وكل ذلك بسبب الخراب والدمار الذي أحدثته الحرب في هذه البلاد.
التسوية السلمية
النقاط الأربع عشرة:
في يناير 1918م اقترح الرئيس ودرو ولسون رئيس الولايات المتحدة أي قبل انتهاء الحرب بعشرة شهور بعضا من أهداف الحرب سميت النقاط الأربع عشرة.
اعتقد ولسون أن النقاط الأربع عشرة قد تحقق تسوية سلمية عادلة سماها سلام بلا نصر.
وفي نوفمبر 1918م وافقت ألمانيا على هدنة وتوقعت ألمانيا أن تتم التسوية على أساس النقاط الأربع عشرة وعالجت ثماني نقاط منها تسويات خاصة سياسية وإقليمية وأما باقيها فقد وضعت كمبادئ عامة لمنع حروب مستقبلية واقترحت آخر النقاط تنظيما دوليا سمي فيما بعد عصبة الأمم لتدعيم السلام.
مؤتمر باريس للسلام:
اجتمع ممثلو القوى المنتصرة في يناير 1919م في باريس لوضع أسس التسوية السلمية جاءوا من 32 قطرا.
وأعدت اللجان مقترحات تفصيلية لمؤتمر باريس للسلام لكن القرارات وضعها رؤساء أربع حكومات سموا الأربعة الكبار وكان الأربعة الكبار هم: ودرو ولسون رئيس الولايات المتحدة ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد لويد جورج، ورئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو، ورئيس وزراء إيطاليا فيتوريو أورلاندو.
| نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بالمقاس الحقيقي |
الأربعة الكبار المجتمعون وهم من اليسار فيتوريو أورلاندو رئيس وزراء إيطاليا وديفيد لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني وجورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا والرئيس الأمريكي ودرو ولسون.
تجاهل مؤتمر الصلح إلى حد كبير المبادئ الرئيسية في النقاط الأربع عشرة فقد ضحى الحلفاء الأوروبيون الكبار أكثر من الأمريكيين فأرادوا أن يحصلوا على تعويض أما ولسون فقد ركز جهوده على إيجاد عصبة الأمم واستجاب ولسون لفرنسا وبريطانيا حول كثير من القضايا.
وفي مايو 1919م وافق مؤتمر الصلح على المعاهدة وقدمها إلى ألمانيا ولم توافق ألمانيا عليها إلا بعد تهديد من الحلفاء بغزوها وإثر شكوك كبيرة وقع ممثلو ألمانيا على معاهدة الصلح في قصر فرساي قرب باريس في 28 يونيو 1919م.
وبالإضافة إلى معاهدة فرساي مع ألمانيا وقع صانعو السلام معاهدات منفصلة مع دول الوسط الأخرى فوقعت معاهدة سان جرمان مع النمسا في سبتمبر 1919م ومعاهدة نويي مع بلغاريا في يونيو 1920م ومعاهدة تريانون مع المجر في يونيو 1920م ومعاهدة سيفر مع الإمبراطورية العثمانية في أغسطس 1920م.
نصوص المعاهدات التي أنهت الحرب
حرمت المعاهدات دولاً من أراض وأسلحة وطالبتها بدفع تعويضات أما ألمانيا فقد عوقبت بشدة وتضمن بند في معاهدة فرساي إرغام ألمانيا على أن تقبل مسؤوليتها بوصفها المتسببة في الحرب.
وبموجب معاهدة فرساي تنازلت ألمانيا عن أراض في بلجيكا وتشيكوسلوفاكيا والدنمارك وفرنسا وبولندا وخسرت مستعمراتها فيما وراء البحار وحصلت فرنسا على حقول الفحم الحجري في وادي السار التابع لألمانيا لمدة خمس عشرة سنة وكان على ألمانيا أن تدفع نفقات جيش للحلفاء يحتل الضفة الغربية من نهر الراين لمدة خمس عشرة سنة وطلبت بعض البنود من ألمانيا أن تعيد إلى الحلفاء مواد حربية وسفنا وبضائع أخرى.
ولم يستقر الرأي على مجموع التعويضات حتى سنة 1921م وتسلمت ألمانيا فاتورة تعويضات بنحو 33 مليار دولار أمريكي.
أما معاهدتا سان جرمان وتريانون فقد أنقصتا مساحة النمسا ـ المجر إلى أقل من ثلث مساحتها السابقة واعترفت المعاهدات باستقلال تشيكوسلوفاكيا وبولندا ومملكة عرفت فيما بعد باسم يوغوسلافيا.
وتسلمت هذه الدول الجديدة ومعها إيطاليا ورومانيا أراضي كانت تابعة للنمسا ـ المجر.
أما معاهدة سيفر فقد انتزعت مصر ولبنان والعراق وفلسطين وسوريا وشرق الأردن من الإمبراطورية العثمانية وتخلت بلغاريا عن أراض لليونان ورومانيا وكان على ألمانيا كذلك أن تخفض قواتها المسلحة وأن تدفع تعويضات.
عالم مابعد الحرب
وجد صانعو السلام أنه من المستحيل أن يرضوا آمال كل أمة ورغبات كل مجموعة قومية فلقد أغضبت التسويات القوى المنتصرة والمهزومة على حد سواء وأخذ صانعو السلام في اعتبارهم رغبات المجموعات القومية وهم يرسمون حدودا جديدة.
ورغم ذلك فإن المطالب القومية لم تتحقق في كثير من القضايا مثال ذلك أخذت رومانيا مجموعة مجرية كبيرة من السكان كذلك كان في أجزاء من تشيكوسلوفاكيا وبولندا ألمان كثيرون وكان من شأن هذه التسويات أن تزيد من الخلافات بين الأقطار وبالإضافة إلى ذلك فإن الأقطار العربية كانت مستاءة لأنها لم تحصل على استقلالها.
لم تحقق الحدود التي أعادت رسمها تسويات الصلح الأمان الاقتصادي إلا قليلا مثال ذلك أن الأقطار الجديدة في النمسا ـ المجر كانت صغيرة وضعيفة وغير قادرة على أن تدعم نفسها لقد فقدت كثيرًا من سكانها ومواردها وأسواقها وطالب السكان الألمان في النمسا إلى حد كبير بالاتحاد مع ألمانيا ولكن صانعي السلام لم يريدوا لألمانيا أن تكسب أراضي بعد الحرب.
دخلت بريطانيا عالم مابعد الحرب وهي أكثر دول الحلفاء رضى فلقد حافظت على إمبراطوريتها وسيطرتها على البحار لكنها كانت منزعجة من أن ميزان القوى الذي أرادته في أوروبا قد ينقلب رأسا على عقب بوجود ألمانيا ضعيفة للغاية وبنصر شيوعي في حرب أهلية في روسيا وبنجاح فرنسا في فرض شروط قاسية على ألمانيا عدوها التقليدي.
ولكنها لم تنجح في تأمين حدودها وفشلت في أن تحصل على ضمان بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة في حالة غزو ألماني وأخيرًا حصلت إيطاليا على أراض أقل مما وعدت به وأحست أنها لم تأخذ ماتستحق.
في الولايات المتحدة خالف مجلس الشيوخ الرأي العام ورفض الموافقة على معاهدة فرساي وعارض بذلك الرئيس ولسون كانت المعاهدة تجعل الولايات المتحدة عضوا في عصبة الأمم.
ولم يكن كثير من الأمريكيين على استعداد لأن يتقبلوا المسؤوليات المترتبة على القوة الجديدة التي صارت لبلدهم فلقد خشوا أن تقحم عصبة الأمم بلدهم في منازعات أوروبية.
اما المانيافلقد وضعت معاهدة فرساي شروطا قاسية أكثر مما توقعته ألمانيا وكانت مسؤولية قبول هذه الشروط إضعافا لحكومة ألمانيا بعد الحرب وخلال الثلاثينيات ظهرت حركة شديدة التعصب للقومية يقودها أدولف هتلر الذي وعد بتجاهل معاهدة فرساي والانتقام لهزيمة ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى وفي سنة 1939م غزت ألمانيا بولندا وبدأت الحرب العالمية الثانية بالفعل.