فخر الدين المعنى الثانى
فخر الدين المعنى الثانى او فخر الدين الثانى بن قرقماز (1572-1635م)// هو ابن الامير قرقماز من المعنى الدزي والامير نسب. وهو احد امراء لبنان وحاكم جبل الشوف حكم المناطق الممتدة بين يافا و طرابلس مكث في الحكم بين عامي 1590-1625م . يختلف المؤرخين بدينه وطائفته بين السنى و الدرزي وماروني ولكن الغالب انه درزي .
صفاته
كما جاء في وصف الشيخ احمد الخالدي الصفدي كاتب سيرة الامير: "كان فخر الدين المعني، سليم الصدر، صافي السريرة، متواضعا، بشوشا. وهو في حلبة الطعان عبوس، هيوش. حليم عند الغضب، ما سمعت عنه الكلمة الفاحشة قط. يصغي الى المظلوم فينصفه من ظالمه ويرثي لحاله، فيكون له خير راحم. [1].
قصير القامة، حنطي اللون، لطيف الهامة، مهاب، جليل، ذو عطاء جليل، قوي العزيمة، شديد الحزم، حسن التدبير، وكما يعطف على الغني يحنو على الفقير".
ديانته
يقول عزيز الاحدب في كتابه ان المؤرخون اختلفوا في دين الأمير واصله وادعت كل طائفة بانه ينتسب اليها. فقال المسلمون ان دليلهم انه كان مسلما سنيا، بناؤه للجوامع وتعدد زوجاته وصيامه رمضان هو وعياله. اما اسطفان الدويهي في كتابه تارخ الموارنة الصادر عام 1860 فيقول ان فخر الدين احسن مثوى المسيحيين المظلومين فاعتزوا في ايامه، وركبوا الخيل، ولبسوا السراويل الواسعة والزنانير المزركشة، وسمح لهم باقامة شعائرهم الدينية جهارا وبقرع النواقيس … وكان كل ذلك محرما عليهم من قبل.
أما الدروز فلم يجدوا عناء في اثبات درزية الامير المعني، فالامير ولد من ابوين درزيين وعاش بين قومه الدروز وبقي درزيا حتى وفاته. أما اليهود فاطلق الحرية لحخاميهم ان يمارسوا شعائرهم وطقوسهم الدينية ولتجارهم ان يعملوا في الاراضي والمناطق الواقعة في امارته. المهم في الموضوع، يقول الاحدب، ان فخر الدين احترم الديانات السماوية واطلق حرية اقامة الشعائر الدينية.
حكمه
ويضيف اللواء الاحدب المتقاعد في كتابه انه ومنذ ان تولى فخر الدين الحكم شعر ان لبنانه اي الشوف ليس كل وطنه وانه لن يتمكن ابدا من بناء وطن كبير ما لم ينهج نهجا معاكسا لنهج السلطنة التي حكمت بسياسة "فرق تسد". ولكي يتمكن من اعادة الوحدة للمقاطعات اللبنانية، التي فرقها الحكام الخارجيون، كان عليه ان يهادن السلطنة وبذات الوقت يضم المقاطعات واحدة بعد الاخرى. وبدأ أولا بالمدن الواقعة على البحر. والبحر كان مهما للبنانيين على مر العصور لانه المتنفس الوحيد لهم ولتجارتهم ولفك حصارهم. وبدأ الحاق المقاطعات اللبنانية واحدة بعد الاخرى بواسطة اقناع حكام المقاطعات بمشروع بناء لبنان حر من السلطة العثمانية وولاتها.
ففي ذلك العام، اي 1623 وبعد ضم طرابلس استطاع لبنان- فخر الدين ان يمتد شمالا حتى طوروس-امانوس على حدود تركيا حاليا، وجنوبا حتى العقبة والعريش في مصر حاليا، ومناطق على تخوم دمشق، ومنطقة تدمر حيث بنى قلعة ومناطق في حلب وحمص وحماة ومعان.
ونجاح الامير فخر الدين في جعل لبنان لبنانا كبيرا فهو دليل ان طموحات الشعب اللبناني هي اكبر من مساحته الصغيرة ولكن بذات الوقت لم يبدأ فخر الدين حربا لا هو ولا اللبنانيون من قبله ولا من بعده. وهذا كله يقول ان لبنان يريد ان يعيش بسلام وبحبوحة في ارضه المعترف بها دوليا. فالشعب السوري أو المنادين بالوحدة السورية او الوحدة العربية او الاسلامية يعطون دلائل ان لبنان كان تحت حكم سوريا او ولاة سوريين، او ان اصل الشعب اللبناني هو عربي او مسلم، في معرض مناقشتهم موضوع ان لبنان كان ولاية سورية او جزء من سوريا. والمنادين بالوحدة العربية يقولون بان اصل اللبنانيين هو عربي وبالتالي فان المناداة بوحدة عربية تجد لها احدى اهم الدلائل التاريخية، اي فخر الدين، لتبرير احقية هذه الدعوات. مع العلم بان فخرالدين اختار توسكانا في ايطاليا كمنفى له بعد اشتداد حصار الاتراك عليه.
نستطيع هنا القول ان فخر الدين ( الدرزي بالولادة والمسيحي بالحماية والمسلم ببناء الجوامع ) بانتصاره على والي دمشق والعثمانيين قال باسم اللبنانيين ان لبنان الذي نريده هو لبنان المتسامح الحر المستقل من اي نعت الا نعت نفسه بنفسه. فكما دعوات وحدة التاريخ والجغرافية، يستطيع اللبنانيون اليوم بحجة حكم فخر الدين على مقاطعات كبيرة في الشرق الاوسط ان يقولوا ان العريش كانت جزءا من لبنان وان تدمر وحماة كانت جزءا من لبنان وان الكرمل كانت جزءا من لبنان. وعلى هذا المنوال يستطيع ابناء روما اليوم الادعاء ان سوريا واسرائيل ولبنان ايطالية/رومانية، فهم حكموا الشرق الاوسط الف سنة. وبذات الحجة يستطيع الانكليز المطالبة بضم الولايات المتحدة لانهم استعمروها مئات السنين.
سقوط ومقتل الأمير فخر الدين
وبعد أن فهم العثمانيون ان اهداف فخر الدين ليست فقط جمع الضرائب والتوسع قليلا في منطقته، بل بناء لبنان حديث ومستقل، جمع الباب العالي 45000 مقاتل من الاتراك ورجال الولاة وشنوا حملة لاسقاط الامير ولوقف هدم كل المنجزات السياسية والعمرانية. وهذا بالفعل ما حصل بعد ان استمر لبنان بالاستقلال الذاتي بوراثة الشهابيين بحكم لبنان. [2].
اما في تفاصيل مصير الامير، فلم يكن قائد هذه الحملة الا الكجك احمد ربيب الامير فخر الدين. واليك بعض المقتطفات من كتاب تاريخ الامير فخر الدين الثاني المعني للمؤلف عيسى اسكندر المعلوف: ... فاودع الكجك الامير المعني واولاده ونساءه في قلعة دمشق وعاد هو الى لبنان الذي اولى عليه الامير علي علم الدين فقتل بقية التنوخيين. ويضيف عيسى ان الكجك استولى على قلعة نيحا واستصفى اموال المعني وعقاراته بحضرة قاضي القضاة في دمشق وعلمائها واعيانها فكانت النقود قليلة. واما العقارات والارزاق والامتعة والحلى النسائية والاواني الذهبية والفضية وادوات القتال والحرب فكانت وافرة ثمينة فحمل الكجك ما استطاع حمله منها وكتب بالباقي صكا وعاد الى دمشق.
وكانت عقارات المعني منتشرة في ضواحي صيدا وبعلبك وحاصبيا وراشيا، حسب كتاب المعلوف، فوهبها السلطان الوزير فوقفها على تكيته (مأوى للمحتاجين) التي عمّرها خارج باب الله قرب قرية قدم القدم بظاهر دمشق والحق بذلك ستين جزءا بالجامع الاموي وتعيينات لاهل الحرمين وبنى سبيلا على مقربة من عمارته (داره). ثم ارسل الامير مع اولاده الى الاستانة والقي القبض على الكثير من اعوانه ففر الخازنيون الى توسكانة في ايطاليا وضبطت اوراقهم وعقاراتهم واسلحتهم واقتيد التوسكانيون من صيدا الى الاستانة بحجة انهم نصّروا المعني. وبعد ان قابل السلطان مراد تقرر ان يقيم في ما يشبه الاقامة الجبرية في اسطنبول ولكن بعد وشايات الولاة وتهمة تنصره التي ساقها ضده والي دمشق أمر السلطان بقتله. ويضيف بالحرف عيسى اسكندر المعلوف في كتابه: " وروي انه علّق على باب السراي رقبا (شنقأ) وقيل قطع رأسه وحكي انه دق في جرن هرسا.
معركة عنجر - تفاصيل الموقعة وأسر والي دمشق
بـ 31 تشرين الاول 1622 استطاع الامير فخر الدين الثاني الكبير بجيشه المؤلف من خمسة الاف مقاتل لبناني من جميع الطوائف والعائلات اللبنانية المعروفة بذلك الوقت، الانتصار على جيش والي دمشق مصطفى باشا الذي تجاوز 12 الف مقاتل من دمشقيون وانكشارية وتركمان وبدو ومن آل سيفا وآل حرفوش. ومن نتائج المعركة ان مصطفى باشا وقع في الاسر ولكن فخر الدين، كما تقاليد اللبنانيون، عفا عن مصطفى باشا آملا ان يفهم الخصوم والاعداء ان نوايا اللبنانيون العيش بسلام.
بدأت المعارك عندما تقدم والي دمشق بجيشه مناوشا قوات الاستطلاع بقيادة الشهابيين، ولقد اثار ذلك القلق بن الشهابيين ولكن فخر الدين اصدر امره للاستطلاع بالانكفاء الى مجدل عنجر. فقام معظم فرق السوريين والانكشاريين باللحاق بهم الى برج الخراب الواقع بالقرب من مجدل عنجر الذي احتلوها.
على الاثر بدأ فخر الدين بتنفيذ خطته حيث ارسل مئة خيال للتحرش بخيالة مصطفى باشا والانكفاء امامهم ليستدرج كل خيالة مصطفى باشا لتعقب خيالته بحيث ينكشف مشاة والي دمشق امامه في سهل عنجر. وهذا ما حصل بالضبط، لان ما ان بدأ خيالة الامير المئة بالانكفاء حتى تعقبهم الف من خيالة الوالي. وزاد من نجاح المناورة ارسال باقي الخيالة السوريون الى برج الخراب للقضاء على قوات الاستطلاع كما ذكرنا اعلاه.
وما ان انكشف مشاة الوالي في سهل عنجر بدون حماية الخيالة، حتى ارسل الامير كل جيشه الباقي من خيالة ومشاة للقضاء على جيش الوالي وانهاء المعركة. فتقدمت مجموعة مدبر الامير (ويدعى مصطفى ايضا) برجاله من جبل عامل من وراء التلال بمعية رجال الامير علي شقيق فخر الدين، مهاجمين جيش الوالي. اما رجال الامير يونس فاقفلوا خط الرجعة على جيش الشام. وما ان رأى جيش الوالي انه اصبح مطوقا، حتى ولّوا الادبار وارغم الوالي على اعطاء الاوامر بالانسحاب، فتضعضع جيشه وسقط مئات القتلى وقتل اربعة من كبار قواد جيش الوالي وطورد المنهزمون حتى الزبداني على الحدود اللبنانية السورية الحالية.وأُسر مصطفى باشا.
عودة الامير فخر الدين من المنفى أحلام الوحدة اللبنانية تعاود الامير.. سرى نبأ عودة الامير الى لبنان "فسرت قشعريرة من قمة الى سيف بحر" واهتز الشرق وعم السرور جميع الناس فتوافدوا افواجا لمشاهدته والسلام عليه. وكان الامير علي في غيبة والده قد استرجع بهمة جيشه اللبناني المقاطعات التي استولى عليها والده قبل النفي، من الفتوح شمالا حتى عكا جنوبا. ثم عمد الى اتمام مشروع الوحدة اللبنانية بضم لبنان الشمالي ولبنان الشرقي لكي يتمكن بعدئذ من خلق الوطن الذي طالما حلم به. وفي عام 1624 مات ابن سيفا فاسندت السلطنة العثمانية ولاية طرابلس الى ابن فخر الدين، الامير حسين. وهكذا تحققت أحلامه، فبعد ان كان لبنان اربع عشرة مقاطعة، أصبح بعد سنة 1624 دولة واحدة لها أميرها الكبير ويرفرف فوق قممها علم المعنيين مفخرة لبنان.
التوسع نحو الجنوب
وكانت صفد منذ 1608 تابعة لامارته ومعها الجليل كله وعكا والناصرة وطبريا، فلما انتصر في عنجر على والي دمشق، كما مر معنا، أقره هذا الوالي على عجلون ونابلس وحوران.
التوسع نحو الشمال
وبعد ان امتدت امارته في الجنوب الى المناطق المذكورة اعلاه، انصرف فخر الدين الى الشمال، فاستولى على سليمية وحمص وحماة، ثم امتد نفوذه الى حلب وانطاكية فبنى قلعة قرب حلب، وقلعة في انطاكية، وقلعة في تدمر.
استباب الامن والرفاهية
وما ان استلم الحكم حتى نهض على رأس حملة من رجاله وسار بهم في رحلة استغرقت ثمانية اشهر فجال في سوريا وفلسطين من أقصاها لأقصاها، مرتبا امور مملكته الواسعة، كابحا جماح العصاة قاطعا دابر الاجرام، مرمما التحصينات ومجهزا اياها بالاعتدة والزاد والرجال، فخضعت لامره الرعية والسناجق والولاة وخيم الامن والعدل على طول البلاد وعضها، وأمنت السابلة والقوافل وذاق الناس لعشر سنين متوالية طعم الراحة والرفاهية.
من أقواله
ويبقى ان نختم هذه الصفحة الطويلة بالقول ان الامير نفسه قد قال لملك اسبانيا، عندما عرض عليه البقاء في اسبانيا وحكم مقاطعات اسبانية، "لم آت لحكم ولا لملك، انما اتيت لحماية لبنان". وفي مكان آخر قال: "انا ايش اريد من السلطان، انا راضي باللقمه وشربة المي، وانظر والدتي واهلي وان ما رضوا مني بذلك والا الجبال واسعة، وان كان ما تساعنا الجبال والا الدنيا واسعة".