منذ القدم والسائد هو التَّوَهُّم بالأرض المُسَطَّحَة الثابتة Motionless flat earth, وبثبات النجوم, وبأن الأجرام السماوية تتحرك بحركة أفلاك شَفَّافَة بلا حركة ذاتية حتى جاء عصر العلم فمحاه, ووفق صريح القرآن الكريم منذ القرن السابع الميلادي: الأرض كروية وكل جرم في الكون يجرى بحركة ذاتية في مدار مُقَدَّر الأجل؛ يقول تعالى: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ الزمر: 5, قال ابن حزم (رحمهم الله تعالى جميعا): "إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم يُنكروا تكوير الأرض, ولا يُحفظ لأحد منهم في دفعِه كلمة؛ بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها.., (والتكوير) مأخوذ من كور العمامة؛ وهو إدارتها", وقال سيد قطب: "(يُكَوّرُ اللّيْلَ عَلَى النّهَارِ وَيُكَوّرُ النّهَارَ عَلَى اللّيْلِ) ..تعبير عجيب يقسر الناظر فيه قسراً على الالتفات إلى ما كُشِفَ حديثاً عن كروية الأرض.., فالأرض الكروية تدور حول نفسها في مواجهة الشمس؛ والجزء الذي يواجه الشمس من سطحها المكور يغمره الضوء ويكون نهاراً, ولكن هذا الجزء لا يثبت لأن الأرض تدور, وكلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان عليه النهار, وهذا السطح مكور؛ فالنهار كان عليه مكوراً والليل يتبعه مكوراً كذلك.., (و)النهار من الناحية الأخرى يتكور على الليل, وهكذا في حركة دائبة.., واللفظ يرسم الشكل ويحدد.. (للأرض) حركتها", وقال الشيخ محمد متولي الشعراوي: "(بالنسبة) إلى قضية.. دوران الأرض..: هل يستطيع أحد أن يحكم على مكان.. كله يتحرك بما هو فيه, إنك لا تستطيع أن تدرك أنه متحرك.., لماذا؟, لأنك لا تعرف حركة المتحرك إلا إذا قسته مع شيء ثابت, ولا شيء ثابت لأن الأرض كلها تدور".
وقيام البعض اليوم إذن باتهام أئمة المسلمين بأنهم ينكرون كروية الأرض وبأنهم يكفرون من يقول بحركتها تقول وتجني وافتراء, وطالع بنفسك تصريح سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في قوله (رحمه الله تعالى): "أما.. البيان الذي كتبه.. التجمع التقدمي في مصر من إنكاري هبوط الإنسان على سطح القمر, وتكفير من قال بذلك أو قال إن الأرض كروية أو تدور؛ فهو كذب بحت لا أساس له من الصحة..، وقد.. بينت أن الواجب على من لا علم لديه التوقف وعدم التصديق والتكذيب حتى يحصل له من المعلومات ما يقتضي ذلك, كما أني قد أثبت.. عن العلامة ابن القيم رحمه الله ما يدل على إثبات كروية الأرض، أما دورانها.. (فإني) لم أكفر من قال به, وإنما كفرت من قال إن الشمس ثابتة غير جارية؛ لأن هذا القول مصادم لصريح القرآن الكريم والسنة.., ليعلم القراء غلط أو كذب أصحاب البيان المذكور فيما نقلوه عني", ولم يخرج فضيلة الشيخ محمد بن العثيمين عن نفس النهج في قوله (رحمه الله تعالى): "الأرض كروية بدلالة القرآن والواقع وكلام أهل العلم", وقوله: "أما مسألة دوران الأرض فإننا كما قلنا..: لو كانت من الأمور التي يجب على المؤمن أن يعتقدها إثباتاً أو نفياً لكان الله تعالى يبينها بياناًً ظاهراًًً، لكن الخطر كله أن نقول: إن الأرض تدور وأن الشمس هي الساكنة", فكما ترى لم يعتقد فضيلته بالمثل أن القول بحركة الأرض حول الشمس إثباتاً أو نفياً إنكارا لمعلوم من الدين بالضرورة؛ وإنما دافع الشيخان بضراوة عن صريح الكتاب العزيز بأن للشمس حركة تخصها, ويكفي تصريح سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز لإسناد المسائل الكونية إلى المختصين وتوقف ما عداهم حتى تتضح لهم حقائق قد بُذلت في نيلها أعمار في قوله (رحمه الله تعالى): "الواجب على من لا علم لديه التوقف وعدم التصديق والتكذيب؛ حتى يحصل له من المعلومات ما يقتضي ذلك". والمُجمع عليه أن يقيني الثبوت والدلالة مما يُنسب للوحي لا يمكن أن يعارض حقيقة كونية قطعت بها الكشوف العلمية, ويكفي تصريح فضيلة الشيخ محمد بن العثيمين لبيان حرص العدول على حفظ الشريعة من الصدام مع الواقع إن ثبت بيقين في قوله (رحمه الله تعالى): "علينا أن نؤمن بظاهر كلام الله وسنة رسوله (عليه الصلاة والسلام)؛ اللهم إلا إن يأتي من الأمور اليقينيات الحسيات المعلومة علماًً يقينياً بما يخالف..، فإننا في هذه الحالة يكون فهمنا.. غير صحيح", ويبلغ تواضع الفضلاء أمام البيان المعجز غايته في قول فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (رحمه الله تعالى): "إن من أنواع البيان التي تضمنها (هذا الكتاب المبارك) أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ويكون في نفس الآية قرينة تدل على خلاف ذلك القول", وقال ابن تيمية (رحمه الله تعالى) في مجموع الفتاوى (ج6 ص557): "العلوم السمعية الصحيحة لا تنافى معقولا صحيحا.., فإن ذلك.. قد أشكل على كثير من الناس حيث يرون ما يقال أنه معلوم بالعقل مخالفًا لما يقال أنه معلوم بالسمع.., فأوجب ذلك أن كذبت كل طائفة بما لم تحط بعلمه حتى آل الأمر بقوم من أهل الكلام إلى أن تكلموا في معارضة الفلاسفة في الأفلاك بكلام ليس معهم به حجة لا من شرع ولا من عقل, وظنوا أن ذلك الكلام من نصر الشريعة, وكان ما جحدوه معلوما بالأدلة الشرعية أيضا".