منذ حوالي عام 14000 عاماً، كانت المنطقة الاسكندنافية مغطاة بطبقة ثلجية سميكة. ومع مرور القرون بدأت الثلوج بالذوبان والانحسار وأخذ المناخ يتحسن تدريجياً بحيث أصبح الإنسان والحيوان والنبات قادرين على العيش في المنطقة. ويعود تاريخ أول مكان سكنه الإنسان في جنوب السويد إلى عام 12000 قبل الميلاد تقريباً. وأصبح الآن معروفاً أن السويد كانت خلال الفترة 8000-6000 قبل الميلاد مأهولة بالسكان الذين كانوا يعيشون على صيد الحيوانات والأسماك، وبأنهم كانوا يستخدمون أدوات
بسيطة صنعوها من الأحجار.
العصر الحجري (من حوالي 4000 إلى 1800 قبل الميلاد):
عثر علماء الآثار على العديد من المقابر التي تعود إلى العصر الحجري الذي استمر حتى حوالي 1800 قبل الميلاد. ويتميز هذا العصر بتطور الأدوات الحجرية التي استخدمها الإنسان في تلك الفترة. وكذلك تم العثور خارج مدينة مالمو في الجنوب على بقايا بيوت تشير إلى طريقة سكنى الإنسان وبأنه كان يرعى الماشية ويزرع بعض النباتات على نطاق ضيق. وكان إنسان العصر الحجري يصيد عجول البحر (الفقمة) على الشواطئ الشرقية المطلة على بحر البلطيق وفي جزيرة (غوتلاند).
العصر البرونزي (من حوالي 1800 إلى 500 قبل الميلاد):
يستمد هذا العصر اسمه من الأسلحة المصنوعة من البرونز وكذلك من الرموز الدينية التي عثر عليها علماء الآثار والتي تعود إلى تلك الفترة. وقد عثر العلماء على أفران لصهر البرونز في ضاحية (هالوندا Hallunda) جنوب ستوكهولم. وهذا لا يعني أن الإنسان لم يكن يستخدم الأدوات الحجرية، بل على العكس فقد كانت تلك الأدوات مستخدمة في حياة الإنسان اليومية. ويتميز العصر البرونزي بمستوى ثقافي عال ساد في الدانمرك وجنوب السويد، وهذا ما أظهرته المنتوجات التي صنعها الإنسان والتي تم العثور عليها في القبور التي تعود إلى تلك الحقبة.
العصر الحديدي (من حوالي 500 قبل الميلاد إلى 1050 بعد الميلاد):
يستمد هذا العصر اسمه من انحسار استخدام البرونز وبدء استخدام الحديد بدلاً عنه. وقد درس علماء الآثار بقايا العديد من البيوت التي تعود إلى العصر الحديدي في مناطق مختلفة من السويد، مثل (سكونه Skåne) وجزيرة غوتلاند و(بيركا Birka) التي تعتبر أقدم منطقة في السويد استوطن فيها الناس على هيئة مدينة، وتقع في أوبلاند. وفي السنوات الأخيرة تم العثور على بيوت تقع في شمال السويد وتعود إلى ذلك العصر. ويعتبر البيت التجويفي الذي عثر عليه في جنوب السويد من أهم البيوت التي اكتشفها علماء الآثار والتي توثق هذا العصر بشكل جيد. وكذلك فإن التحصينات الدفاعية التي تم إنشاؤها في ذلك العصر تعتبر من أبرز معالمه. ويمكن القول بأن العصر الحديدي كان بداية استيطان الإنسان في السويد على شكل مجتمعات سكانية، وفيه أصبحت الزراعة تشكل أساس المجتمع والاقتصاد السويدي.
وينقسم العصر الحديدي في السويد إلى الحقب التالية:
· العصر الحديدي القديم (500 قبل الميلاد وحتى عام 400 بعد الميلاد)
· حقبة الهجرة الكبرى (400-550 م)
· العصر الفينديلي (550-800 م). وقد سمي بذلك نسبة إلى القبور الضخمة التي كانت على شكل قوارب في منطقة (فينديل Vendel) في مقاطعة أوبلاند.
· عصر الفايكينغ (800-1050 م)
عصر الفايكينغ (800-1050 م):
بدأ عصر الفايكينغ في عام 800 م تقريباً، وذلك حينما بدأت اسكندنافيا (أي ما يعرف حالياً بالسويد والنرويج والدانمرك) بالظهور على المسرح الأوروبي على نحو بارز. وأهم ما يميز هذه الفترة التي دامت قرابة 250 عاماً هو التوسع الذي قام به الفايكينغ. كانت أغلب رحلات الفايكينغ بقصد التجارة، إلا أنهم كانوا يسافرون بقصد الغزو والإغارة أحياناً، وبقصد الهجرة أحياناً أخرى. وعادة ما كانت رحلات الفايكينغ الذي كانوا يقيمون في النرويج والدانمرك وجنوب السويد حالياً تتجه نحو الغرب حيث وصلت إلى فرنسا والجزر البريطانية وحتى غرينلاند. أما أولئك الذين كانوا في شرق السويد وجزيرة غوتلاند فقد توجهوا شرقاً إلى شواطئ بحر البلطيق وعبروا روسيا عن طريق الأنهار حتى وصلوا إلى القسطنطينية (اسطنبول) وبغداد وإلى شواطئ البحر الأسود وبحر قزوين. وأقاموا علاقات تجارية مع الإمبراطورية البيزنطية ومع الدولة العباسية.
وعلى الرغم من قلة المصادر التي تعطي صورة كاملة عن تلك الحقبة، إلا أن قبور الفايكنيغ ومواقع إقامتهم كانت مليئة بالأشياء التي توضح تلك الحقبة بما فيها النقود العربية. ويمكن الاطلاع على المزيد من المعلومات عن الفايكينغ من خلال ما كتبه عنهم الرحالة العربي ابن فضلان الذي كان مبعوث الخليفة المقتدر إلى أحد ملوك البلطيق في عام 921. ويسجل ابن فضلان في مذكراته وقائع زاخرة بالتفاصيل التي تتناول مختلف جوانب الحياة الاجتماعية للفايكينغ، وذلك بعد أن شاءت الظروف أن يجد نفسه بين صفوفهم وأن يرحل معهم صوب موطنهم في إحدى مدن الشمال. وتعد مذكرات ابن فضلان، التي يعود تاريخها إلى ما قبل أكثر من ألف عام، واحدة من أهم وأقدم الوثائق المتعلقة بتاريخ الفايكينغ.
ومن أهم ما يوثق لهذه الفترة هو ما تم العثور عليه من المخطوطات الرُّونية (خطوط وعلامات تيوتونية "جرمانية" قديمة)، فقد عثر حتى الآن على أكثر من 2500 من النقوش الرونية التي تعود إلى تلك الحقبة، وأكثرها يعود إلى القرن الحادي عشر مع بداية دخول المسيحية إلى السويد.
العصور الوسطى: (منذ أوائل القرن الحادي عشر وحتى عام 1523 م)
بدأت العصور الوسطى في السويد مع دخول الديانة المسيحية إلى البلاد على نطاق واسع في بداية القرن الحادي عشر ومع توحد الممالك الصغيرة لأول مرة بعد أن كانت مبعثرة في أرجاء البلاد. وكانت المملكة الجديدة تفتقر إلى وحدة تلمّ شملها، فقد كانت الفوارق الثقافية كبيرة جداً. ولم يكن بالإمكان توحيد المملكة إلا بفضل الملك وآلته الحربية، كما أن بدء استقرار المسيحية في البلاد بما فيها القسم الشمالي أزال الفوارق وجعل من السويد مملكة أكثر تجانساً من الناحية الثقافية.
وأهم ما شهدته السويد في العصور الوسطى:
دخول المسيحية – توحيد البلاد وتأسيس المملكة– نشوء المجتمع الطبقي – تحالف هانسا التجاري– اتحاد كالمار.
دخول المسيحية:
يعود الاحتكاك الأول للسويد مع الديانة المسيحية إلى البعثة التبشيرية التي قام بها الأسقف (أنسغار Ansgar) الذي زار السويد قادماً من هامبورغ في القرن التاسع. ولم تصبح السويد مسيحية بشكل رسمي إلا في القرن الحادي عشر على أيدي المبشرين الإنكليز الذين ركزوا نشاطهم في البداية في القسم الغربي من البلاد، إلا أن الوثنية وعبادة الآلهة الاسكندنافية القديمة استمرت في الشمال حتى القرن الثاني عشر. ولم تكن الكنيسة الغربية هي الوحيدة في التبشير للديانة المسيحية، فقد كان للكنيسة الشرقية نفوذ بارز في جنوب اسكاندنافيا حيث نشطت الكنيسة الفرنسية. وكان التنافس بين الكنيستين مركزاً على السلطة ولكنه كان تنافساً عقائدياً أيضاً. ومن الناحية الاجتماعية دخل الدين المسيحي أوساط الطبقة الحاكمة ذات السلطة والنفوذ أولاً، أما جغرافياً فكان أول انتشاره في مقاطعة (فاستِريوتلاند) جنوب غرب السويد. ولم يصبح للسويد رئيساً للأساقفة خاصاً بها حتى العام 1164 الذي شهد تنصيب أول رئيس أساقفة كاثوليكي للسويد في مدينة أوبسالا.
توحيد البلاد وتأسيس المملكة:
بدأت السويد تأخذ شكل المملكة منذ عصر الفايكينغ ولكن حدودها كانت لا تزال غير واضحة المعالم. وكانت البراري المقفرة تفصل بين المقاطعات المختلفة وتمنحها استقلالاً ذاتياً وقوانين خاصة بها دون وجود لسلطة مركزية تجمع بينها. ومع بداية القرن الحادي عشر أخذت هذه المقاطعات تتوحد في مركزين رئيسيين، الأول في مقاطعتي (أوستِريوتلاند) و (فاستِريوتلاند)، والثاني في المقاطعات المحيطة ببحيرة (مالارين) وبالأخص في (أوبلاند).
ومنذ منتصف القرن الثاني عشر كان هناك صراع شديد على السلطة بين عائلتين كبيرتين هما عائلة (إريك) وعائلة (سفيركِر) اللتين تناوبتا على العرش بين عامي 1160 و 1250. ولم تكن المملكة حينئذ متحدة تماماً في تلك الفترة، فقد كانت المقاطعات لا تزال تشكل الوحدات الإدارية، وكان لكل منها مجلس تشريعي وقوانين خاصة بها. وكان تنصيب أول رئيس أساقفة خاص بالسويد عام 1164 بداية التوحيد التنظيمي للسويد. وفي النصف الثاني من القرن الثالث عشر بدأ العرش السويدي ببسط نفوذه بشكل أكبر وذلك من خلال بناء القلاع الملكية وتوزيع إدارات المقاطعات وفرض سلطة الحكومة المركزية على المملكة بأسرها.
نشوء المجتمع الطبقي:
شهدت المملكة المتوحدة حديثاً تغييرات هامة خلال الفترة 1250-1350، إذ تتالت الصراعات بين السلالات الحاكمة المتنافسة على العرش. وقد أدى ذلك إلى نشوء نظام اجتماعي جديد، حيث برز عدد قليل من أصحاب السلطة والنفوذ وعدد أكبر من ملاك الأراضي، كما ظهرت طبقة العبيد ودخل نظام الرق. وكان (بيرغِر يارل Birger Jarl) وابنه (ماغنوس لادولوس Magnus Ladulås) من أبرز شخصيات السلالة الحاكمة الجديدة التي أخذت تتجه جنوباً وتتقرب من كنيسة البابا. وفي عام 1280 أصدر الملك ماغنوس لادولوس تشريعاً تأسست بموجبه طبقة النبلاء وأصبحت الإقطاعية هي النظام السائد في المجتمع. وأثناء حكم (ماغنوس إريكسون Magnus Eriksson) عام 1350 ألغيت القوانين التي كانت سائدة في المقاطعات ليحل محلها دستور واحد يسري مفعوله على المملكة بأسرها، وبذلك اكتملت وحدة المملكة الشاملة لأول مرة، كما تم تأسيس مجلس استشاري حول الملك يضم ممثلين من الطبقة الأرستقراطية والكنيسة.
تحالف هانسا التجاري (Hansan):
في بداية القرن الثالث عشر ألغي نظام الرق وفي نفس الوقت بدأت الطبقة البورجوازية بالظهور في المدن الكبرى. وشهد هذا القرن تحسناً ملحوظاً في مجالي الزراعة والتجارة. وكانت التجارة في أوج ازدهارها في القرن الرابع عشر، حينما دخلت السويد في تحالف تجاري مع المدن الألمانية التي كانت تحت حكم (لوبيك) فيما عُرف باسم تحالف هانسا التجاري. وقد دام هذا التحالف حوالي مائتي عام، واستمر حتى منتصف القرن السادس عشر. وقد تسبب النشاط التجاري في ظل هذا التحالف بظهور العديد من المدن الصغيرة في السويد.
وفي عام 1350 تفشى وباء الطاعون الأسود في السويد لتبدأ فترة طويلة من الركود الاقتصادي تميزت بتناقص عدد السكان وبازدياد عدد المزارع المهجورة ودامت حتى أواخر القرن الخامس عشر. وفي نفس الوقت بدأ إنتاج الحديد في وسط السويد يلعب دوراً هاماً في الاقتصاد السويدي