اسطورة حجر رشيد
كلنا عنده شبه يقين بان الفرنسي شامبليون هو من قام بفك رموز حجر رشيد هذا ما تعلمناه في كتبنا التعليمية بمدارسنا المصرية فهل هذه حقيقةاليكم المفاجاة
أن "منشور منف" – المشهور باسم حجر رشيد – بمثابة وثيقة كتبهاكهنة مصر القديمة فى العهد البطلمى بمناسبة تنصيب بطليموس الخامس ملكا على مصر. فحفروا مرسوم ولايته على لوحة من البازلت الأسود فى 27 مارس عام 192 قبل الميلاد. وقد اشتملت الوثيقة على ثلاثة نصوص:
النص الأول مكتوب بالهيروغليفية. وهو نصمبتور من ثلثيه تقريبا.
والنص الثانى مكتوب بالديموطيقية، أى الكتابة الشعبية فىمصر القديمة وهى كتابة ظهرت قبل 650 عاما من الميلاد وكانت تستخدم للمراسلاتالجارية وآخر مراحل تطورها كانت اللغة القبطية التى كتبت منذ القرن الثامن الميلادىبحروف يونانية بالإضافة الى سبع حركات صوتية غير موجودة فى اليونانية أخذت منالديموطيقية .
أما النص الثالث فكان يحتوى على 54 سطرا مكتوبة باللغة اليونانيةالقديمة.
المهم.. أنه بعد انتهاء احتفالات تنصيب الملك بطليموس الخامس فى منفاجتمع الكهنة المصريون من مختلف الاقاليم المصرية ببلدة "كانوب" شرقى الإسكندرية،وهى نفسها "ابو قير" الحالية، حيث كرموا الملك الجديد وسلموه الوثيقة التى تحدثناعنها وهى "منشور منف" الذى اشتهر بعد ذلك باسم حجر رشيد.
وقد اعتبر الكهنة تتويجالملك حسب طقوسهم الدينية نصرا عظيما وبالتالى كانوا يتعاملون مع بطليموس الخامسعلى انه فرعون جديد للبلاد وليس ملكا محتلا!!
وعليه.. احتفظ بطليموس الخامس بهذهالوثيقة الهامة بأرشيف المملكة البطلمية بمصر. ولسبب غير معلوم تم نقل الحجر – الوثيقة الى مدينة رشيد، ربما لان المخازن الملكية كانت موجودة بها آنذاك، أو ربماسرقت بسبب ضغائن أو إحن.
وأيا كان السبب فانها ظلت نسيا منسيا حتى اكتشفها ضابطفرنسى اسمه فرانسوا بوشار فى قلعة قديمة برشيد يوم 19 يولية 1799 إبان الحملةالفرنسية على مصر.
أى أن الذى اكتشف الحجر إبان الحملة الفرنسية ضابط فرنسى وليسشامبليون. وهذا الضابط كان مثقفا على ما يبدو لأنه استشعر أهمية الحجر فأوصى الحملةالفرنسية برشيد ان تهتم بتوصيله الى نابليون شخصيا، الذى سلمه بدوره الى العلماءالمرافقين للحملة الفرنسية.
بعدها بأقل من عامين استسلم الجيش الفرنسى عام 1801للقوات الإنجليزية الغازية لمصر. وكانت هزيمة الفرنسيين مشينة وكانت شروطاستسلامهم مذلة، والعجيب أنه كان من بينها شرطا بالغ الغرابة هو ان يسلم الفرنسيونالمهزومون جميع ما بحوزتهم من آثار مصرية منهوبة الى البريطانيينالمنتصرين!
وكان حجر رشيد من بين هذه الآثار.
وهذا يفسر وجود حجر رشيد فىالمتحف البريطانى فى لندن وليس فى متحف اللوفر فى باريس رغم ان الذى عثر عليه ضابطفرنسى.
وهذا يعنى أيضا ان كل علاقة الحجر بالحملة الفرنسية هى عثور أحد ضباطهاعليه دون أن يتمكن العلماء المصاحبين لها فى فك شفرته.
لكن بعد انتقال الحجرالمحير الى المتحف البريطانى فى لندن نشب سباق من نوع آخر بين الفرنسيين والإنجليزعلى كشف أسراره.
وكان السباق بين البريطانى توماس يونج والفرنسى جان فرانسواشامبليون. وقد استطاع الاخير أن يثأر للفرنسيين وأن يعلن للعالم فك طلاسم "منشورمنف" عام 1822.
وظل هذا الاعتقاد شائعا حتى عهد قريب الى ان كشف روبن ماكىالمحرر العلمى لصحيفة الاوبزيرفر البريطانية النقاب عن توصل الباحث المصرى الدكتورعكاشة الدالى بالمعهد الاركيولوجى فى جامعة لندن الى براهين قوية تفيد ان عالماعراقيا سبق شامبليون بما يقارب الالف عام فى فك رموز الهيروغليفية.
وفى وقت قريبمن ذلك توصل باحث سورى يدعى يحيى مير علم الى نفس النتيجة حيث اتفقت نتائج يحيى ميرعلم السورى وعكاشة الدالى المصرى على أن العالم العربى أبو بكر أحمد بن على قيس بنالمختار المعروف بابن وحشية النبطى الذى يرجح العلماء ولادته فى القرن الرابعالهجرى تمكن من فك رموز الهيروغليفية قبل شامبليون بنحو ألف عام، وأنه نشر كشفهالتاريخى فى كتاب تم نسخه عام 241 هجرية (861 ميلادية) بعنوان "شوق المستهام فىمعرفة رموز الأقلام".
وأن المستشرق النمساوى جوزيف همر كان أول من كشف عن "شوقالمستهام" وقام بطبعه فى لندن عام 1806، مما يرجح ان شامبليون قد قرأ مخطوطه العالمالعراقى ابن وحشية النبطى الذى كان خبيرا فى اللغات القديمة.
وتفيد الدراسات انعدد "الأقلام" (أى اللغات) التى عرفها بلغ 89 قلما من بينها اليهروغليفية. وأنه الىجانب علمه الغزير فى اللغات كان له باع طويل فى الكيمياء التى ترك فيها ما يقرب منثلاثين مصنفا.
وإذا كان هناك احتمال ضئيل بأن شامبليون لم يقرأ "شوق المستهام" فانه يبقى من حق العالم العراقى ابن وحشيه النبطى ان يحصل على نصيبه من المجد الذىاحتكره شامبليون.
وخلاصة ما تقدم ان هناك ثلاثة أخطاء شائعة حول "منشورمنف" المعروف باسم حجر رشيد يجب تصحيحها:
الخطأ الأول: أن "مكتشف" الحجر هوشامبليون، فذلك ليس صحيحا لأن الذى عثر عليه لم يكن شامبليون بل كان ضابطا فىالحملة الفرنسية أسمه فرانسوا بوشار وان ذلك كان فى 19 يولية 1799.
الخطأ الثانى : أن شامبليون كانت له علاقة بالحملة الفرنسية، فهذا خلط واضح لان الحملة الفرنسيةعلى مصر بدأت عام 1798 وانتهت عام 1801، فى حين أن شامبليون ولد عام 1790 أى انهكان طفلا صغيرا لا يتجاوز عمره ثمانية أعوام عندما جاءت الحملة الفرنسية الى مصر. وبالتالى فانه ليس له علاقة بتلك الحملة، كما ان حله لرموز حجر رشيد تم فى لندن كماقلنا عام 1822 اى بعد الحملة الفرنسية على مصر بواحد وعشرين عاما.
الخطأ الثالث: أن شامبليون مع ذلك لم يكن أول من استطاع فك شفرة" منشور منف" بل سبقه الى ذلك بألفعام إبن الكوفة "إبن وحشيه النبطى" الذى يبدو من الأبحاث الحديثة انه كان أول من حلرموز اللغة الهيروغليفية التى تحدث بها المصريون وكتبوها اكثر من ثلاثة آلاف سنةمتصلة قبل انقراضها فى القرن الرابع الميلادى اثر فرمان الإمبراطور البيزنطىتيودوسيوس الكبير بمنع ممارسة الطقوس الدينية التى كانت سائدة فى مصر القديمة،وبالتالى لم يعد أحد يتجاسر على كتابة لغة هذه الطقوس على الحجر. وهكذا ماتت لغتناالمصرية القديمة، وهكذا أحياها - فى لغة الأبحاث - ابن وحشية النبطى قبل شامبليونبألف عام.