آسيا الغنية.. الفقيرة
بها أهم اقتصادات العالم.. و60% من سكانها يتقاضون أقل من دولارين في اليوم
براكريتي غوبتا
على الرغم من ان قارة اسيا الاولى من ناحية عدد السكان (4 مليارات نسمة، 60 في المائة من سكان العالم)، إلا ان القارة لا تزال تضم ثلثي فقراء العام، إذ طبقا لتقرير صادر عن بنك التنمية الآسيوي، الذي تأسس عام 1966 للقضاء على الفقر، لا يزال حوالي 1.9 مليار نسمة، أي حوالي 60 في المائة من سكان الدول النامية بالقارة، يتقاضون أقل من دولارين في اليوم. ويعيش معظم هؤلاء في جنوب القارة. وتبلغ جملة المبالغ التي يقرضها بنك التنمية الآسيوي سنويا حوالي 7 مليارات دولار. وجاء في التقرير ايضا أن 93 في المائة من السكان الأكثر فقرا يوجدون في الهند (357 مليون نسمة).
وعلى الرغم من هذه الأرقام الكبيرة، ثمة اسباب تبعث على الارتياح، إذ ان معدل الفقر في المنطقة تراجع من حوالي 50 في المائة الى ما يقل عن 19 في المائة خلال العقود الأربعة السابقة. كما ان متوسط الدخل ازداد بمعدل ستة أضعاف تقريبا. وتقول الأمم المتحدة ان القارة الآسيوية تعمل بنشاط في مكافحة الجوع، فيما لا تزال القارة الافريقية ومنطقة الشرق الادني تأتيان بعد قارة آسيا، الأمر الذي لا يبعث على التفاؤل إزاء الهدف المتمثل في إنهاء الفقر في العالم بنهاية عام 2015، حسبما جاء في قمة منظمة الأغذية العالمية عام 1996 وتجمع الألفية لعام 2007. اقتصاد كل من الصين والهند يشهد نموا سريعا بمعدل نمو سنوي يزيد على 8-9 في المائة. وتضم قائمة الدول الأسرع نموا في القارة الآسيوية كلا من فيتنام ومنغوليا وأوزبكستان والدول الغنية بالثروات النفطية والمعدنية مثل كازاخستان وتركمانستان وبروناي والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت المملكة العربية السعودية والبحرين وسلطنة عمان. اما اكبر اقتصاد في القارة الآسيوية لهذا العام، من ناحية إجمالي الناتج المحلي، فهو اقتصاد الصين ثم يأتي بعده اقتصاد الهند ثم اليابان. كما تشكل قارة آسيا خطرا محتملا على بقية العالم اذا اخذنا في الاعتبار التراكم المتزيد لاحتياطات النقد الأجنبي فيها، وأكثر الدول التي تتمتع باحتياطات ضخمة هي الصين وهونغ كونغ واليابان والهند وتايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية. ويعني ذلك ان القدرة على تبادل اليورو والدولار الاميركي والجنيه الاسترليني تتأثر بصورة كبيرة بالمصارف المركزية في دول القارة. ويعتبر خبراء اقتصاديون في دول غربية هذا جانبا سلبيا ويحثون حكوماتهم على اتخاذ خطوة تجاهه.
على الرغم من هذه الصورة الاقتصادية الزاهية، فإن القارة الآسيوية لا تزال تعاني الفقر. فقد اعتبر تقرير بنك التنمية الآسيوي منطقة جنوب آسيا المنطقة الأكثر فقرا. وتشير تقديرات للبنك في الآونة الاخيرة الى انه على الرغم من التراجع السريع لمعدلات الفقر، فإن هناك حوالي 620 مليون شخص في المنطقة يعيشون على ما يقل على دولار واحد في اليوم. ورغما عن ان المنطقة في طريقها الى تحقيق هدف الألفية للتنمية المتمثل في خفض عدد الذين يعيشون على دولار واحد في اليوم الى اقبل من النصف، فليس من المتوقع ان يتحقق الهدف الآخر الذي يرمى الى خفض الفقر غير المرتبط بأسباب اخرى غير دخل الفرد. ويساعد صندوق التنمية الآسيوي في خفض نسبة الفقر وتحسين نوعية الحياة للسكان في مختلف بلدان القارة الآسيوية ومنطقة المحيط الهادي. وظل الصندوق منذ عام 1973 أداة رئيسية للتمويل دعما للتنمية المتوازنة والعادلة في المنطقة.
وكان هناك حوالي 31.7% من سكان الهند وباكستان وبنغلاديش وإيران وسري لانكا والنيبال وبوتان يعيشون تحت خط الفقر قبل انتهاء عام 2005 حسب المعلومات التي قدمتها أي دي بي. والنيبال المبتلاة بالغليان السياسي والكساد الاقتصادي سجلت أقل معدلات للنمو.
وعلى الرغم من الصورة السوداوية فإن تقرير البنك الدولي الأخير يقول إن آسيا تسير على الطريق الموصل إلى تحقيق التزامها بتخفيض الفقر إلى النصف قبل انتهاء عام 2050 مع احتمال الوصول إلى هذا الهدف قبل هذا التاريخ بسنوات. وقال البنك الدولي إن هناك توقعا ببقاء 2.4% من سكان شرق آسيا فقط تحت خط الفقر المدقع قبل انتهاء عام 2010، وهذا تحت الهدف المرجو بمقدار 15%. فخلال ثلاثة أعوام فقط من 2002 إلى 2004 تم رفع 57.7 مليون شخصا من قائمة الفقر المدقع على الرغم من أن عدم المساواة يظل سائدا.
وفي قاع المقياس المدرج تسكن دول وسط آسيا التي دخلت تحت اسم اوروبا النامية وهذه الدول بحاجة إلى دفع قوي كي تصل إلى المستوى المطلوب من درجة الفقر، على الرغم من أن معدلات النمو الاقتصادي تصل إلى حوالي 11.5%. ومع حلول عام 2004 كان عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر حوالي 4.4 مليون شخص، وهناك ما يقرب من زيادة قدرها 50% عما كان عليه حال هذه الدول عام 1990. وهذه الدول التي تدخل حاليا تحت اسم كومنويلث الدول المستقلة كانت آنذاك ضمن كيان الاتحاد السوفيتي.
وتعاني آسيا من تفاوت طبقي هائل، وهذا هو مصدر التوتر في المنطقة. بينما تستمر نمور شرق آسيا مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان وسنغافورة في تعزيز قواها الاقتصادية. من جانب دخلت اندونيسيا وتايلند وماليزيا والفيليبين وفيتنام طريق النمو الطويل الأمد وهذه الدول بحاجة إلى دعم قوي من العالم المتقدم.
ويقترح بعض الاقتصاديين أن تتبنى الحكومات الآسيوية نظام التجارة الحرة العالمي كوسيلة لرفع ملايين من سكانها خارج دائرة الفقر المدقع وان تنهي تقديم التعويضات الزراعية.
وأي تعاون بين الدول الآسيوية يجب «أن يهتم بشكل خاص بالأنشطة التي تساعد على تحقيق القدرات الكامنة لتوسع التجارة العادلة التي اطلقتها اتفاقيات اوروغواي الدائرية وإنشاء منظمة التجارة الدولية حسبما قال جاك ضيوف، رئيس منظمة الغذاء والزراعة الدولية في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وحسب فان دير ليندن، من بنك التنمية الآسيوي، فإن تجربة البلدان الآسيوية الأربعة الصين والهند وتايلند وفيتنام تكشف عن أن الفاقة هي تحدٍّ يمكن التغلب عليه إذا اتبعت الدول سياسة دعم الفقراء. وكانت الصين المساهم الأساسي في انجاز كهذا حسبما جاء في بحث راج كومار رئيس القسم المعني بالفقر والتنمية. وقال: «إضافة إلى الصين تعتبر الحالات الأكثر نجاحا في تقليص الفقر خلال السنوات الأخيرة هي في جنوب شرق آسيا. وكل الدول في تلك المنطقة قد قلصت عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفاقة الشديدة والذين يبلغ دخل الفرد فيهم أقل من دولار في اليوم، مع اندونيسيا وفيتنام اللتين حققتا تقدما متميزا». ومثلما اشار كومار فإن استمرار هذه الظاهرة التي تؤثر على القطاعات الزراعية مع بنغلاديش وكمبوديا والهند واندونيسيا وباكستان والفلبين باعتبارها نماذج على هذه الظاهرة. وكان محرك تقليص الفقر السريع في آسيا هو النمو الاقتصادي وضرورة توجه السياسات المعنية في ذلك الاتجاه لمزيد من تقليص عدد الفقراء في المنطقة، وفقا لما قاله التقرير. ولكن النمو يجب ان يكون متماثلا في القطاعات والمناطق الجغرافية المختلفة للبلاد. ففي جنوب آسيا، ادى اهمال الاستثمارات العامة في البنية التحتية المادية والاجتماعية، بالارتباط مع السياسة والجمود المؤسساتي في مجال الزراعة، الى تقليص نمو الاقتصاد الريفي. ومثل هذا الاهمال أدى الى تأبيد المظالم في مجال الحصول على الأرض والخدمات الاجتماعية. وكانت النتيجة النهائية انه حتى عندما كان نمو الاقتصاد الزراعي معقولا فان فرصا قليلة خلقت لفقراء الريف. وبينما حققت شرق آسيا وجنوب شرق آسيا تقدما كبيرا في تقليص الفقر في الريف خلال العقود الثلاثة الماضية كان التقدم محدودا في جنوب آسيا. ففي بنغلاديش، على سبيل المثال، تبلغ نسبة الفقر في الريف حوالي 37 في المائة بالمقارنة مع 19 في المائة في المدن، بينما في كمبوديا تبلغ نسبة الفقر في الريف 40 في المائة مقابل 21 في المائة في مناطق المدن، وفي اندونيسيا تصل نسبة الفقر في الريف الى 20 في المائة مقابل 15 في المائة في المدن. غير أن الهامش الكبر هو في الفلبين حيث الفقر في الريف يبلغ 48 في المائة مقابل 18 في المائة في المدن.
والنمو الاقتصادي وحده لا يضمن تقليص الفقر في الدول النامية. فالدلائل من آسيا تشير الى ان النمو السريع قد لا يفيد الفقراء ويقصي جماعات من الناس، بل يمكن أن يهدد الاستقرار الاجتماعي والتماسك القومي. وتحتاج الحكومات والجهات المانحة الى تسهيل هذه التحولات ومساعدة الفقراء على الحصول على منافع النمو. ويميل الهيكل الاقتصادي المرافق للنمو السريع للبلدان الى التغير من هيكل ريفي في الغالب ومعتمد على الزراعة الى هيكل مديني وصناعي وخدماتي ومستند الى المعرفة. وهذا يحدث في الصين وفيتنام والهند. وفي البلدان الأكثر فقرا وبطأ نموا مثل نيبال وسري لانكا وكمبوديا ما تزال الزراعة تشكل ما يزيد على 30 في المائة من اجمالي الناتج المحلي.
كما أن آسيا مثقلة بأعباء مشاكل سياسية لا تهدد الاقتصادات فحسب، وإنما ايضا الاستقرار العام للمنطقة والعالم. فالجارتان النوويتان، أي الصين والهند تطرحان على الدوام تهديدا لبعضهما بعضا، مما يؤدي بحكومتيهما الى استثمار واسع في الإنفاق العسكري. كما ان شبه الجزيرة الكورية منطقة متقلبة جدا. ففي الوقت الحالي تطور كوريا الشمالية برنامج أسلحة نووية، يشكل خطرا كبيرا على جيرانها، خصوصا كوريا الجنوبية واليابان، وللقوات العسكرية الاميركية الموجودة في كوريا الجنوبية. كما ان التدخل العسكري للولايات المتحدة في أفغانستان والعراق أشعل نيران التطرف، وأدى الى حدوث عدد من الهجمات الارهابية في عدد من البلدان الآسيوية. وتتمثل العقبة الكبيرة الأخرى في تقلص احتياطات النفط في المنطقة العربية. ومعظم هذه الاقتصادات ظلت تقليديا تعتمد اعتمادا كبيرا على النفط وتجد صعوبة في بناء سند آخر في اقتصادها.
السبت نوفمبر 06, 2010 1:58 pm
